للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسنة هو مشكِلٌ غيرُ وارد فيما يخص الألفاظَ التي استعملها أصحابُ العلوم من الفقهاء وغيرهم. فلا نزاعَ حينئذ في أن الألفاظ التي استعملها الفقهاء هي مصطلحاتٌ عرفية خاصة بطائفة معينة مثل الكسر في الفرائض (العَرَض) بمعنى المنقول والأصل في مقابلته. وشأنُ الفقهاء في ذلك شأنُ غيرهم من طوائف أصحاب العلوم، كما استعمل العروضيون السبب والوتد، أو استعمل الحكماء الجوهر والعرض والحيز.

وقد قرر الأصوليون في ذلك كله أنه نقلٌ من المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي نقلًا مجازيًّا للمناسبة بين المعنيين، ثم اشتهر عند تلك الطائفة حتى أصبح باشتهاره مستغنيًا عن القرينة. فلا يتبادر إلى الذهن عند إطلاق اللفظ بين تلك الطائفة إلا المعنى المنقول إليه، فصار حقيقةً عندهم تسمى الحقيقة العرفية. وهي التي قسمت إلى عرفية عامة، مثل إطلاق الدابة على الحمار أو الفرس، باختلاف الأقطار، وعرفية خاصة، مثل الألفاظ التي اصطُلح عليها أهل العلوم والصناعات. وبذلك أصبحت الحقيقة مقسمة إلى ثلاث أقسام: لغوية وشرعية وعرفية، كما ذهب إليه السبكي في جمع الجوامع، (١) أو إلى أربعة بتقسيم العرفية إلى عامة وخاصة، كما درج عليه القرافي في التنقيح. (٢)

ويُستخلص من هذا أن المصطلح الفقهي يتألف من قسمين من تلك الأقسام هي: الحقيقة الشرعية، والحقيقة العرفية الخاصة، وأن ما للحقائق الشرعية من قرب من الحقائق اللغوية، ومتانة الالتصاق بها، حتى قيل إنها غيرُ منقولة أو إنها معتمدة على مناسبات قوية بين المعنيين، وهو الذي ضمن لها الوضوحَ والمتانة والأصالة، زيادةً على أن نقلها بأحكم الوسائل البلاغية قد جنبها عيبَ التعقيد المعنوي الذي هو من قوادح فصاحة الكلام، وأن إجراءها في سياق الكلام الذي وردت فيه قد أعطاها من حسن التناسق وبديع النظم ما بعدت به عن النبوات التي تحصل عادةً


(١) انظر حاشية العلامة البناني، ج ١، ص ٥١٧ - ٥١٨. - المحقق.
(٢) القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص ٦٧ - ٦٩ - المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>