الشرعية مواليدُ جديدة، فلا بد لها من أسماء تدل عليها بوضع جديد. وذهب جماعةٌ من أهل السنة إلى التمسك بموقف الباقلاني، ومنهم أبو نصر ابن القشيري والقاضي عياض.
وذهب جمهورُ أهل السنة - من أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والإمام الرازي وابن الحاجب والقرافي والبيضاوي والسبكي - إلى أن اختلافَ الدلالتين بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي إنما كان على طريقة الاستعمال المجازي بدون نقل، بل بمراعاة المناسبة بين المعنيين، واعتمادًا على القرائن الصارفة عن المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي.
ولم يُهمل هؤلاء وجهةَ نظر القاضي أبي بكر، فقصروا وقوعَ النقل على المعاني الشرعية الفرعية، والتي هي موضوعُ علم الفقه دون المعاني الشرعية الأصلية، التي هي موضوعُ علم العقائد. فأقروا بأن الإيمانَ والإسلام مستَعْمَلان في معناهما اللغوي، بخلاف مثل الصلاة والزكاة مما استعمل في غير معناه الأصلي.
ووقف سيفُ الدين الآمدي بين هاتين الطريقتين، غيرَ جازم بترجيح إحداهما على الأخرى. (١)
هذا هو موقفُ الأصوليين من المصطلحات الشرعية، ويعنون بها الألفاظَ التي ورد استعمالُها في لسان الشرع الأصلي - أي في القرآن والسنة - للتكاليف العملية التي جاء بها الدين، مثل الصلاة والصوم والزكاة.
أما ما عدا ذلك مما شمله كلامُ أحمد بن فارس من المصطلحات التي وضعها أهلُ العلوم ومنهم الفقهاء في ما استنبطوه وفصلوه، فقد كان لهم منها موقفٌ آخر: لم يختلفوا في أنها منقولةٌ عن معانيها اللغوية الأصلية، إن المشكل الذي حمل الباقلاني ومَنْ بعده على أن يحترزوا من القول بالنقل في الألفاظ الشرعية المستعمَلة في الكتاب
(١) انظر: الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج ١/ ١، ص ٥٦ - ٦٧. - المحقق.