للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان أحمد بن فارس يجزم بأن ألفاظًا من اللغة العربية نُقلت عن مواضع إلى مواضع أخرى بسبب ما شرع الإسلام من شرائع (ومن تلك الألفاظ: المؤمن، والكافر، والمنافق، والفاسق، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، من كل ما أحدث الإسلام من ماهيته ما لم يكن معروفًا عند العرب من قبل، حتى أصبحت الألفاظ تدلُّ عليه)، ويجعل ذلك شأنَ أبواب الفقه كلِّها وشأن سائر العلوم كالنحو والعروض والشعر، فإن علماءَ أصول الفقه يقفون من هذا الذي جزم به ابن فارس موقفَ تحقيق وتفصيل.

فجاء معاصرُه القاضي أبو بكر الباقلاني يُنكر هذا النقلَ للألفاظ من معنى إلى معنى وينفيه، مدعيًا أن الشرعَ لم يضع شيئًا، وإنما استعمل الألفاظَ في مسمَّيَاتها اللغوية المعروفة من قبل، ولم يعتبر معنى جديدًا، إلا أنه اشترط لتحقيق ماهية الشيء شروطًا ربما لم تكن مشترَطةً فيه من قبل. (١) وإنما حدا بالقاضي أبي بكر إلى هذا الموقف قصدٌ جدلِيٌّ، بَيَّنه شهاب الدين القرافي في شرح التنقيح، (٢) مع الفرار من القول بأن القرآن والسنة قد خاطبا الناسَ بما لا يفهمون.

فنشأت من موقفه ذلك أنظارٌ ومناقشات، وذهبت طائفةٌ إلى التمسك باختلاف الوضع الشرعي عن الوضع اللغوي تمامًا وهم المعتزلة، وقالوا إن المعاني


= (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٨/ ١٩٩٨)، ج ١، ص ٢٣٥ - ٢٣٦. ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: الصاحبي في فقه اللغة، نشرة بعناية أحمد حسن بسج (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ٢، ١٤٢٨/ ٢٠٠٧)، ص ٤٤ (باب الأسباب الإسلامية). - المحقق.
(١) الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب: التقريب والإرشاد الصغير، ج ١، ص ٣٨٧ - ٣٩٧. - المحقق.
(٢) قال القرافي في بيان القصد الجدلي الذي أشار إليه المصنف: "وقال القاضي: فتحُ هذا الباب يحصل غرضَ الشيعة من الطعن عليهم رضوان الله عليهم فإنهم يكفرون الصحابة، فإذا قيل: إن الله تعالى وعد المؤمنين بالجنة وهم قد آمنوا، يقولون: إن الإيمان الذي هو التصديق صدر منهم، ولكن الشرع نقل هذا اللفظ إلى الطاعات وهم صدقوا وما أطاعوا في أمر الخلافة. فإذا قلنا إن الشرع لم ينقل استدّ هذا الباب الرديء". شرح تنقيح الفصول، ص ٦٨. - المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>