للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك لا نَعُدُّ خطبةَ منذر بن سعيد البلُّوطي التي ارتجلها في مجلس الأمير الناصر بقرطبة - حين وَفَدَ رُسلُ ملِكِ الروم وحين أُرتِج على أبي علي القالي - إلا من حُسْنِ استعداده للحوادث، وعلمِه بأن مَنْ عُيِّن للخطابة لا يُحسنها (١). وقد قدمنا في فن الإنشاء طرفًا من هذا.

هذا ومما يلتحق بالكلام على نسج الخطب اشتمالُها على شيء من الشعر، وكان ذلك قليلًا عند العرب، كما في خطبة قس بن ساعدة إذ ختمها بأبيات، وكما في


(١) انظر خطبة قس في أول البيان والتبيين، وانظر خطبة منذر في ترجمته من مطمح الأنفس للفتح بن خاقان. - المصنف. الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٢٠٩ - ٢١٠؛ الفتح بن خاقان، أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله القيسي الإشبيلي: مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، تحقيق محمد علي شوابكة (عمان: دار عمار/ بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٠٣/ ١٩٨٣)، ص ٢٤٠ - ٢٤٤. وقد أنشد البلوطي (الذي تقدمت الترجمة له في حاشية على مقال العلم عند الله في القسم الأول من هذا المجموع) في ختام خطبته القصيدة التالية:
مَقَالٌ كَحَدِّ السَّيْفِ وَسْطَ الْمَحَافِلِ ... فَرَقْتُ بِهِ مَا بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلِ
بِقَلْبٍ ذَكِيٍّ تَرْتَمِي جَنَبَاتُهُ ... كَبَارِقِ رَعْدٍ عِنْدَ رَعْشِ الأَنَامِلِ
فَمَا دَحَضَتْ رِجْلِي وَلَا زَلَّ مِقْوَلِي ... وَلَا طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ تِلْكَ الزَّلَازِلِ
لِخَيْرِ إِمَامٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ ... لِمُقْتَبَلٍ أَوْ فِي الْعُصُورِ الأَوَائِلِ
وَقَدْ حَدَّقَتْ نَحْوي عُيُونٌ إخَالُهَا ... كَمِثْلِ سِهَامٍ أُثْبِتَتْ فِي المَقَاتِلِ
تَرَى النَّاسَ أَفْوَاجًا يَؤُمُّونَ دَارَهُ ... وَكُلُّهُمْ مَا بَيْنَ رَاضٍ وَآمِل
وُفُودُ مُلُوكِ الرُّومِ وَسْطَ فِنَائِهِ ... مَخَافَةَ بَأْسٍ أَوْ رَجَاءً لِنَائِلِ
فَعِشْ سَالمًا أَقْصَى حَيَاةِ مُعَمَّرٍ ... فَأَنْتَ غِيَاثُ كُلِّ حَافٍ وَنَاعِلِ
وقد ذكر المقري هذه الحكاية والقصيدة وغيرها مما هو على غير رويها. المقري التلمساني: نفح الطيب، ج ١، ص ٣٦٤ - ٣٦٥ و ٣٦٨ - ٣٧٤. (وفيه زيادة بيت، كما جاء فيه لفظ "بابه" بدل "داره"، و "راج" عوض "راض"). وخطبة قس بن ساعدة قيل إن الرسول عليه الصلاة والسلام شهدها وإنه قال: "فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر، وهو يخطب الناس، وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واستمعوا وعُوا، مَنْ عاش مات، ومَنْ مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت. . ." ابن كثير: البداية والنهاية، ج ٣، ص، ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>