للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عكاظ، وهي مشهورة (١). وكلُّ مقامٍ يظهر فيه الارتجالُ لا يتأتَّى فيه السجع، فيحسن حتى بالمولَّدين أن يتجنبوه هنالك، وإن كانوا لا يتكلمون إلا بتروٍّ سابق.


(١) هو قس بن ساعدة بن عمرو - وقيل شِمر - بن عدي بن مالك بن أيدعان بن النَّمر بن واثلة بن الطَّمَثان بن زيد - وقيل عوذ - مناة بن يقدم بن أفصَى بن دُعمي بن إياد، وإلى الأخير يُنسب. توفي قس حوالي سنة ٢٣ قبل الهجرة. قال الأصفهاني: "خطيب العرب وشاعرها، وحليمها وحكيمها في عصره. يقال إنه أول مَنْ علا على شرفٍ وخطب عليه، وأول من قال في كلامه: أما بعد، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا. وأدركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة، ورآه بعكاظ فكان يأثِر عنه كلامًا سمعه منه، وسئل عنه فقال: يُحشر أمة وحده". الأغاني، ج ٥/ ١٥، ص ٦٤٠ (نشرة الحسين). أما خطبته المشهورة التي أشار إليها المصنف، فقد جاءت بعدة روايات مختلفة اللفظ والعبارة متحدة المعنى، منها ما روى البيهقي بسنده عن أنس بن مالك قال: "قدم وفدُ إياد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما فعل قس بن ساعدة الإيادي؟ " قالوا: هلك. قال: "أما إني سمعت منه كلامًا ما أرى أحفظه"، فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله، فقال: "هاتوا"، قال: فقال قائلهم: إنه وقف بسوق عكاظ فقال: يا أيها الناس، استمعوا واسمعوا وعوا: كل من عاش مات، وكل مَنْ مات فات، وكل ما هو آتٍ آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مُرساة، وأنهارٌ مجراة، إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرا. أرى الناس يمرون ولا يرجعون، أرَضوا بالإقامة فاقاموا؟ أم تُركوا فناموا؟ ثم أنشأ يقول: يُقسم قسٌّ قسمًا بالله لا إثم فيه: إن لله تعالى دينًا هو أرضى مما أنتم عليه، ثم أنشأ يقول:
فِي الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِر ... لمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِر
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا يَمْضِي الأَكَابِرُ ... أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِر".
وفي رواية أخرى أنه عليه السلام سأل وفد إياد: "هل وُجد لقُس بن ساعدة وصية؟ فقالوا: نعم وجدنا له صحيفة تحت رأسه مكتوبًا فيها:
يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالأَمْوَاتِ فِي جَدثٍ ... عَلَيْهِمْ مِنْ بَقَايَا ثَوْبهِمْ خِرَقُ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لهمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى في ثِيَابِهِمْ ... مِنْهَا الجَدِيدُ وَمِنْهَا الأَوْرَقُ الخَرِقُ
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي بعثني بالحق لقد آمن قس بالبعث"". البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكب العلمية/ القاهرة: دار البيان للتراث، ط ١، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، ج ٢، ص ١٠١ - ١٠٤. وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرحم الله قسًّا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحده". الأصفهاني: الأغاني، ج ٥/ ١٥، ص ٦٤١. وانظر: الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ٢، ص ٢٠٩ - ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>