للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ما) كناية عن ذلك، يريد ثم أدغم النون. وقال غيره: معنى مما هنا ربما، وهو من معنى ما تقدم؛ لأن ربما تأتي للتكثير أيضًا". (١)

وفي مسلم في حديث النجوم أمنة السماء: "وكان كثيرًا مما يرفع رأسه إلى السماء" (٢)، تكون "مما" هنا بمعنى ربما التي للتكثير، وقد تكون فيها زائدة. وأقول: شواهدُ هذا الاستعمال كثيرة في الحديث والشعر، ذكر عياض منها قولَ ابن عباس المتقدم، ومنها قول رافع بن خديج: "كنا نُكرِي الأرض بالناحية، منها مُسَمًّى لِسَيِّد الأرض، قال: فمما يُصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما يُصاب الأرض ويسلم ذلك" إلخ (٣). ومنها قولُ ابن عباس: "إن رسول الله كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فلْيقصَّها أعبرها له"" (٤). ومنها قول البراء بن عازب: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله مما نحب أن نكون عن يمينه". (٥) ومنها قولُ أبي حية النميري:


= كان بصيرًا بالحديث والعربية والشعر، ألف كتاب الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيدة وابن قتيبة من غريب الحديث. قال أبو علي القالي: ما أعلم أنه وُضع بالأندلس كتابٌ مثله. قال ابن الفرضي: ولو قال أبو علي: ما وضع بالشرق مثله، ما أبعد. ترجمه في الديباج. - المصنف.
(١) اليحصبي، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى: مشارق الأنوار على صحيح الآثار في شرح غريب الحديث، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ج ١، ص ٦٢٢.
(٢) سيأتي ذكر هذا الحديث وتخريجه كاملًا في نهاية هذا البحث.
(٣) صحيح البخاري، "كتاب الحرث والمزارعة"، الحديث ٢٣٢٧، ص ٣٧٣ - ٣٧٤.
(٤) صحيح مسلم، "كتاب تعبير الرؤيا"، الحديث ٢٢٦٩، ص ٨٩٥.
(٥) في مسند ابن أبي شيبة. انظر "مختصر إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة" للشهاب أحمد البوصيري الكناني المتوفَّى سنة ٨٤٠ في الإمامة. - المصنف. وتمام الحديث عن البراء قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: "رب! قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك". صحيح مسلم، "باب صلاة المسافرين وقصرها"، الحديث ٧٠٩، ص ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>