للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً ... عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الفَمِ (١)

وأنا أزيد منها قولَ مالك بن أسماء الفزاري:

وَحَدِيثٌ أَلَذُّهُ هُوَ مِمَّا ... يَشْتَهِي السَّامِعُونَ يُوزَنُ وَزْنَا (٢)

أي كثيرًا ما يشتهيه السامعون، وهو موزون لا فضولَ فيه.

وقد أغفلت كتبُ اللغة هذا اللفظ، لولا أنْ تنبه له شراحُ الحديث. ولكن تعرض إليه السيرافي في "شرح كتاب سيبويه"، وهو متأخِّرٌ عن ثابت السرقسطي. قال سيبويه: "اعلم أنهم مِمَّا يحْذفون الكلمَ وإن كان أصله في الكلام غير ذلك" إلخ (٣).

قال السيرافي: " [قوله: مِمَّا يَحذفون]، أراد رُبَّما يحذفون، وهو يستعمل هذه الكلمة [أي: مِمَّا] كثيرًا في كتابه. والعربُ تقول: أنت مما تفعل كذا، أي: ربما تفعل. وتقول العرب أيضًا: أنت مما أن تفعل، أي: أنت من الأمر أن تفعل. فتكون ما بمنزلة الأمر (أي الشيء)، وأن تفعل بمنزلة الفعل (أي مصدر فعل، أي: بمنزلة هذا اللفظ)، ويكون أن تفعل في موضع رفع بالابتداء وخبره مما، وتقديره: أنت


(١) ذكره ابن هشام في "مغني اللبيب" في مبحث "من". وأبو حية شاعرٌ من مخضرمي الدولتين [الأموية والعباسية]، وهو شاعر مقدم فصيح، احتج أئمة الاستعمال بكلامه. - المصنف. ابن هشام الأنصاري: مغني اللبيب، ج ١، ص ٣٥٢. والبيت هو الثاني من بيتين من بحر الطويل. شعر أبي حية النميري، تحقيق يحيى الجبوري (دمشق: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ١٩٧٥)، ص ١٧٤.
(٢) البيت مذكور في مواضع من كتب الأدب، وممن ذكره ابن قتيبة في كتاب "الشعراء". وقائله مالك بن أسماء، شاعر أموي ممن احتج بشعره في العربية، واحتج بشعره صاحب "لسان العرب". - المصنف. هو مالك بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، من سادة غطفان. قال فيه ابن قتيبة: "كان شاعرًا غزِلًا ظريفًا". وهذا البيت من شعرٍ قاله في جارية له، قد جاء فيه لفظ "الناعتون" بدل "السامعون". الدينوري: الشعر والشعراء، ص ٤٧٠.
(٣) سيبويه: الكتاب، ج ١، ص ٥٠. وتمام الكلام: "اعلم أنهم مما يحْذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام غير ذلك، ويحذفون ويُعَوِّضون، ويستغنون عن الشيء الذي أصله في كلامهم أن يُستعمَلَ حتى يصير ساقطا".

<<  <  ج: ص:  >  >>