للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاشر بالمشرق والمغرب. كان مالك حجازيًّا مدنيًّا، وبذلك عرف عند معاصريه من الفقهاء وغيرهم. وكانت نشأتُه الفقهية على منهج جامع بين النظر والأثر، ولكنه بمراعاة الأثر أعلق. وكانت المدينةُ قد ظهرت فيها نزعةٌ قوية إلى الرأي والفقه، عدَّلت نزعتَها الأصلية إلى الحديث والعلم، وذلك بظهور ربيعة بن عبد الرحمن، المعروف بربيعة الرأي، الذي هو شيخُ الإمام مالك، وذو الأثر القوي في تكوينه الفقهي.

فكانت طريقةُ الفقه الجديدة معتمدةً على الفقه المتأصِّل في المدينة الذي عرفت به من عهد الصحابة وعهد فقهاء التابعين، ولا سيما الفقهاء السبعة المشاهير. وكان مالك لم يدرك الطبقة من الفقهاء السبعة وكبار التابعين، ولكنه تلقى فهمَهم ورواياتهم عن الذين أدركوهم، فلم يتلقَّ الذي تلقى من ذلك إلا وهو مفصَّلٌ إلى علم وفقه أو سنة ورأي. فلما ظهر مالك وانتهت إليه إمامةُ دار الهجرة وقصده الناس، وعرفوا فيه شخصية فيها جانبين: جانب العلم وجانب الفقه، فقُصِد للأمرين. وكان القاصدون إليه ثلاثة أصناف:

١ - [الصنف الأول] صنفُ طالبي الرواية الذين شدوا الرحلةَ إلى المدينة ليروُوا عن إمامها الأحاديثَ الصحيحة المنتقاة التي عُرف مالك بتمام التحرِّي في روايتها وضبطها. ومن هؤلاء مَنْ كانوا متكونين تكونًا فقهيًّا كاملًا في أمصار أخرى، وعلى مناهج فقهية لا تساير المنهج الفقهي لمالك بن أنس. فمنهم بالغٌ درجة الاجتهاد المطلق، مثل عبد الله بن المبارك، ومنهم مَنْ هو قريبٌ منها في درجة الاجتهاد المقيد، مثل محمد بن الحسن الشيباني. وعدد هؤلاء الرواة كثير جدًّا، أحصى منهم علماءُ الحديث أكثر من ألف، وقد خصهم بالتصنيف الخطيب البغدادي والقاضي عياض. (١)

٢ - الصنف الثاني: طالبو التخرُّج الفقهي من أهل المدينة، مثل عبد الله بن نافع وابن الماجشون، أو من غير المدينة من المكيين والعراقيين والمصريين والأفارقة والأندلسيين، هؤلاء هم الذين قصدوا مالكًا ليلازموه، ويتتبعوا إفتاءَه في المسائل،


(١) تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك، السيوطي ص ١٠ ج ١ ط الحلبي بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>