الوجه الرابع: أن هذا الحديث يفيد معنىً فاسدًا؛ وذلك لأن قوله:"أول ما خلق الله نور نبيك" يظهر منه أن الإضافة حقيقية. فالمراد من النور هو الحقيقة المحمدية، أعني الذي سيكون فيما بعد روح محمد - صلى الله عليه وسلم - حين خلق الأرواح والذي سجل في جسده الشريف حين تُنفَخ فيه الروحُ في طور تكوينه. وإذا كان ذلك، فتقسيمه بعد ذلك أجزاء وخلق مخلوقاتٍ في كل جزء من تلك الأجزاء يقتضي إما دخولَ النقصان على الحقيقة المحمدية بعد خلقها، وإما كون تلك المخلوقات أجزاء لها، فتصير الحقيقةُ المحمدية كلًّا له أجزاء، وهذا معنى سخيف.
فإذا كانت الإضافةُ لأدنَى ملابسة، أي النور الذي منه نبيُّك، كان ذلك مقتضيًا أن القلم واللوح والعرش والملائكة والسموات والأرضين معتبرةٌ قبل الحقيقة المحمدية في التجزئة من ذلك النور؛ لأنها كُوِّنت من أجزاء قبل تكوين الحقيقة المحمدية من الجزء الأخير الذي وُضع في آدم عند خلقه. فيعود معنى الحديث على المقصود منه بالإبطال؛ فإن المقصودَ منه لقائله التعريفُ بفضل الحقيقة المحمدية في سبق الخلق.
الوجه الخامس: أن في هذا الحديث تخليطًا في ترتيب الأشياء المخلوقة من هذا النور؛ إذ بعضُها من الذوات مثل القلم، وبعضها من الأجناس مثل الملائكة، وبعضُها من المعاني مثل المعرفة بالله والتوحيد. وهذه المعانِي يتعلق الخلق بها تبعًا لِخلق محلها، ومَحَلُّها هو العقل، وليس في الحديث ذكرُ خلق العقل.