للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبل الصدقة قال: "وايْم الله، إنَّهم (أي القبائل التي كانت ترعى أرض الحمى قبل أن يتخذها عمر حمًى) ليرون أنِّي قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المالُ [أي الإبل] الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا". (١)

ومن أكبر مقاصد الشريعة في الأموال تيسير دورانها على آحاد الأمة، وأن لا تكون في طائفة معينة يتلقاها الفرعُ عن أصله. وإني فهمت الإشارة إلى هذا المقصد من قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] (الدُّولة بضم الدال، العاقبة في المال، أي: التعاقب فيه من واحد إلى آخر). (٢) فلأجل هذا شرع الإسلامُ للأموال حكمين: حُكمًا خاصًّا بحياة المالك، وحكمًا خاصًّا بما بعد موته. فجعل المالكَ في حياته حرَّ التصرف فيما ملك حثًّا للناس على السعي في الاكتساب لتوفير ثروة الأمة بالعمل، وجعل مالَه بعد موته موزَّعًا في طائفته.


(١) الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الجامع"، الحديث ٢٠٤٧، ج ٤، ص ٥٥٥ - ٥٥٦؛ صحيح البخاري، "كتاب الجهاد والسير"، الحديث ٣٠٥٩، ص ٥٠٦.
(٢) قال المصنف تعليلًا لمعنى هذا الجزء من الآية وبيانًا لما تنطوي عليه من حكم: "و {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} إلخ تعليل لما اقتضاه لام التمليك من جعله ملكًا لأصناف كثيرة الأفراد، أي جعلناه مقسومًا على هؤلاء لأجل أن لا يكون الفيء دُولة بين الأغنياء من المسلمين، أي لئلا يتداوله الأغنياء ولا ينال أهلَ الحاجة نصيب منه. والمقصودُ من ذلك إبطالُ ما كان معتادًا في العرب قبل الإسلام من استئثار قائد الجيش بأمور من المغانم، وهي المرباع والصفايا وما صالح عليه عدوه دون قتال والنشيطة والفضول". ثم قال: "وقد أبطل الإسلامُ ذلك كله فجعل الفيء مصروفًا إلى ستة مصارف راجعة فوائدها إلى عموم المسلمين لسد حاجاتهم العامة والخاصة، فإن ما هو لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يجعله الله لما يأمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجعل الخمس من المغانم كذلك لتلك المصارف. وقد بدا من هذا التعليل أن من مقاصد الشريعة أن يكون المال دولةً بين الأمة الإسلامية على نظام محكم في انتقاله من كل مال لم يسبق عليه ملك لأحد، مثل الموات، والفيء، واللقطات، والركاز، أو كان جزءًا معينًا، مثل الزكاة، والكفارات، وتخميس المغانم، والخراج، والمواريث، وعقود المعاملات التي بين جانبي مال وعمل. . ." تفسير التحرير والتنوير، ج ١٣/ ٢٨، ص ٨٤ - ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>