للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرُ الناس على قوله، وبُعث بعده في رأس كل سنة مَنْ يقرر مذهبه. وبهذا تعين عندي تقديمُ ابن سريج في الثالثة على الأشعري؛ فإن الأشعري - وإن كان أيضًا شافعيَّ المذهب (١) - إلا أنه رجل متكلِّم, كان قيامُه للذَّبِّ عن أصول العقائد دون فروعها، (٢) وكان ابنُ سريج رجلًا فقيهًا، فكان ابن سريج أولَى بهذه المنزلة، لا سيما


(١) كذا ادعى السبكي، وقد عد عياضٌ في "المدارك" أبا الحسن الأشعري في عداد المالكية من أهل الطبقة الرابعة. وحقق عن موسى بن عمران وعن رافع الحمال من أئمة الشافعية أن الأشعري كان مالكيًّا، واستظهر على ذلك أن مذهب مالك في عصره كان هو الغالب على العراق. وعياض في ضبطه وتحقيقه لا يُنازَع. - المصنف. يجدر التنبيه هنا إلى أن ترجمة القاضي عياض لأبي الحسن الأشعري لا توجد في ثنتين من نشرات كتاب "ترتيب المدارك" التي أمكنني مراجعتها هما نشرة أحمد بكير محمود الصادرة سنة ١٩٦٧ عن دار مكتبة الحياة ومكتبة الفكر ببيروت، ونشرة محمد سالم هاشم الصادرة سنة ١٤١٨/ ١٩٩٨ عن دار الكتب العلمية ببيروت، وهو أمر لا يكاد المرء يجد له تفسيرًا أمام ادعاء صاحبي النشرتين المذكورتين التحقيقَ العلمي! ألا رحم الله زمانًا كان الناس يقدرون هذه العبارة حقَّ قدرها، ويتهيبون التحلي بها وانتحاها! هذا وانظر في شأن ما ذكره المصنف من تحقيق عياض في مالكية الأشعري: ترتيب المدارك، تحقيق علي عمر (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ط ١، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩)، ج ٢، ص ٥٢٤ - ٤٣٠. والواقع أن تجاذب المذاهب الفقهية لأبي الحسن الأشعري أمر قديم، فالحنفي يقول: إنه كان على مذهب أبي حنيفة، والمالكي يقرر أنه من أتباع مالك، والشافعية ينسبونه إلى مذهب الشافعي، وهكذا. انظر في ذلك: ابن عساكر الدمشقي، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله: تبيين كذب المفتري فيما نسب الإمام أبي الحسن الأشعري، نشرة بعناية حسام الدين القدسي وتقديم محمد زاهد الكوثري (دمشق: مطبعة التوفيق، ١٣٤٧)، ص ١١٧؛ ابن أبي الوفاء القرشي الحنفي، محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو (الجيزة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط ٢، ١٤١٣/ ١٩٩٣)، ج ٢، ص ٥٤٤ - ٥٤٥ وج ٤، ص ٣٣. وإنما حصل هذا التجاذبُ بينهم - كما يعلل الشيخ الكوثري - لكونه "كان ينظر في فقه المذاهب، ولا يتحزب لبعضها على بعض، بل يُنسب إليه القولُ بتصويب المجتهدين في الفروع، وهذا مما سهل عليه جمعَ كلمة أهل السنة حول دعوته الحقة"، فقد "سعى لجمع كلمتهم بكل حكمة". تبيين كذب المفتري، ص ١١٧ - ١١٨ (الحاشية رقم ١).
(٢) كلام باطل؛ فإن الذب عن العقائد أهم وأجل، وليس في الحديث تخصيص التجديد بالفروع. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>