للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن هو على ظهر الأرض أحد(١) إذ يتعين أن يكون قوله فيه: "فإن رأس مائة سنة"؛ أي مبدأ مائة سنة من تلك الليلة بقرينة السياق.

ولذلك قدَّر شُرَّاحُ الحديث قوله: "فإن رأس مائة سنة"؛ أي من تلك الليلة، أي: بعد مُضِيِّها. (٢) وقد قيل بمثل هذا في إطلاق رأس مائة سنة في قولهم في الحديث: "بعثه الله على رأس أربعين سنة أي: عند تمام الأربعين من عمره الشريف، فيكون ابتداء العدِّ أيضًا من يوم قال رسول الله ذلك. ومثال الاحتمالين واحد إلا في عدِّ المرة الأولى من التجديد، وعدِّ أول المجددين.

وأيًّا ما كان، فالظاهرُ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في آخر حياته؛ إذ قد دلت أدلةٌ من السنة على أن رسول الله - عليه السلام - قد أكثر في آخر حياته من أقوال تُؤْذِنُ بقرب انتقاله، تأنِّيًا للمسلمين بتلقي مصيبة وفاته بصبر، وتنبيهًا لهم ليتهيؤوا إلى سدِّ ما تُعقِبه وفاتُه من ثلمة في أمور المسلمين، وبشارةً لهم بما يعرفون به توَلِّي الله تعالى حفظَ هذا الدينِ كما جمعه قوله: "حياتِي خيرٌ لكم، ومَماتِي خير لكم". (٣)


(١) صحيح البخاري، "كتاب العلم"، الحديث ١١٦، ص ٢٥؛ "كتاب مواقيت الصلاة"؛ صحيح مسلم، "كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -"، الحديث ٢٥٣٧، ص ٩٨٤ - ٩٨٥؛ سنن الترمذي، "كتاب الفتن"، الحديث ٢٢٥١، ص ٥٤١.
(٢) وأساس هذا الشرح لمعنى الحديث ما ذكره الترمذي عن عبد الله بن عمر أنه قال: "فوهل الناسُ من مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثونه بهذه الأحاديث نحو مائة سنة، وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن". ونقل ابن حجر العسقلاني كلام النووي حيث قال: "المراد أن كل مَنْ كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة، سواء قل عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفيُ حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة، والله أعلم". العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (الرياض: بيت الأفكار الدولية، بدون تاريخ)، "كتاب الجزية والموادعة"، ج ١، ص ٣٤٦.
(٣) رواه الديلمي عن أنس، وذكره السيوطي عن الحارث عن أنس. قال المناوي شارحه: وسنده ضعيف، لكنه رواه ابن سعد في الطبقات بأطول من هذا اللفظ بسندٍ رجالُه ثقات. - المصنف. تضعيف المناوي يخص الحديث باللفظ الذي أورده المصنف هنا. وهناك روايةٌ أخرى هي التي صححها، ولفظها: "حياتِي خيْرٌ لكم، تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا متُّ كانت وفاتِي خيرًا لكم، =

<<  <  ج: ص:  >  >>