للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدب الكاتب: "وكذلك فوْق تكون بمعنى دون ذلك، قاله الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦] , أي فما دونها، [هذا قولُ أبي عبيدة] " (١)، مع ظهور أن معنى الدون هنا نشأ من كون الفوقية على البعوضة لا تُعقل إلا في تفاوت في الحقارة.

وقد عدّ بعضُ أهل اللغة الزوج مشتركًا بين زوج المرأة وزوجة الرجل. والحق أن كلمة زوج لفظُ عدد يوصف به كلُّ ما يصير مع غيره ثانيًا, ولذلك لا يقولون للمرأة زوجة إلا نادرًا، كما سنبين وجه ذلك.

وقد أكثر النحاةُ من هذا النوع في معاني الحروف، وفي كتاب "مغني اللبيب" من ذلك شيءٌ كثيرٌ من معاني الحروف (٢). وقد أنكر أبو الفتح ابن جنّي في الخصائص على النحاة ادعاءَ وقوع حرف جر بمعنى حرف جر آخر، وأطال فيه بما لا داعيَ إلى ذكره هنا (٣).


(١) الدينوري، أبو محمد عبد الله مسلم بن قتيبة: أدب الكاتب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: دار الطلائع، ٢٠٠٥)، ص ١٣٨. وقد ساق المصنف كلامَ ابن قتيبة بتصرف وأثبتناه بلفظه، وما بين معقوفتين أوردناه حرصًا على بيان دقة ابن قتيبة في نسبة الأقوال إلى أصحابها.
(٢) انظر: الأنصاري، ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (بيروت: المكتبة العصرية، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ص ١٩ - ٤٣٠.
(٣) ابن جني: الخصائص، ج ٢، ص ٩١ - ٩٧ (باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض). قال أبو الفتح (ص ٩١ - ٩٢): "هذا باب يتلقاه الناس مغسولًا ساذجًا من الصنعة، وما أبعدَ الصواب عنه وأوقفه دونه. وذلك أنهم يقولون: إن (إلى) تكون بمعنى مع. ويحتجون لذلك يقول سبحانه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: ١٤] , أي مع الله. ويقولون: إن (في) تكون بمعنى (على)، ويحتجون بقوله عز اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أي: عليها. ويقولون: تكون الباء بمعنى (عن) و (على)، ويحتجون بقولهم: رميت بالقوس، أي: عنها وعليها. . . ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا، لكنا نقول: إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع، على حسب الأحوال الداعية إليه، والمسوِّغة له. فأما في كلِّ موضع وعلى كل حال، فلا. ألا ترى أنك إذا أخذتَ بظاهر هذا القول غُفلًا هكذا لا مقيَّدًا، لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: معه، وأن تقول: زيد في الفرس، وأنت تريد: عليه، وزيد في عمرو، وأنت تريد: عليه في العداوة، وأن تقول: رويت الحديث بزيد، وأنت تريد: عنه، ونحو ذلك، مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع في ذلك رسمًا يُعمل عليه، ويُؤمَن الشناعة لمكانه". ج ١٤، ص ٢٧٨ - ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>