للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن كثير منها. ولكن الذي انتهى إليه استقرائي في هذه العجالة أنِّي وجدتهم جعلوا فروقًا لفظية وخطية.

فأما اللفظيةُ فمنها التفرقةُ باختلاف المصادر، وهذه قد أشار إليها ابن دَرَسْتويه في شرح فصيح ثعلب عند ذكر فعل "وجدَ" ومعانيه، فقال: "وإنما هذه المعاني كلُّها شيء واحد، وهو إصابةُ الشيء خيرًا كان أو شرًّا. ولكن فرَّقوا بين المصادر؛ [لأن المفعولات كانت مختلفة، فجُعل الفرقُ بين المصادر بأنها أيضًا مفعولة] , والمصادر كثيرةُ التصاريف [جدًّا، وأمثلتها كثيرة مختلفة] , وقياسُها غامض، وعللُها خفية، [والمفتشون عنها قليلون، والصبرُ عليها معدوم]. فلذلك توهَّم أهلُ اللغة أنها تأتِي على غير قياس؛ لأنهم [لم يضبطوا قياسَها] ولم يقفوا على غوْرها". (١)

وهذا بابٌ ينفتح لنا في إدراك أسبابِ كثرة المصادر المخالِفة للقياس. فمصادِرُ وَجدَ: الوجْد والوِجدان والوُجود، وكذلك مصادر ذَكر: ذِكر وذَكْر وذُكْر. وكذلك طال: له مصدر الطُّول بمعنى المحسوس، والطَّوْل للفضل، وفي الحديث: "أطوَلُكن يدًا" (٢)، فظنن (٣) أن المراد الطولُ الحسي.

ومنها التفرقةُ في اسم المفعول، كقولهم في ظنَّ بمعنى مظنون به، وفي ظنّ بمعنى اتهم ظنين. ومنها التفرقة في جمع التكسير، كما جمعوا خُلّة بمعنى الصحبة على خلال: {يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة: ٢٥٤] , {يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (٣١)}


(١) ابن درستويه: تصحيح الفصيح وشرحه، ص ١٨٨؛ وما بين معقوفتين لم يورده المصنف، ورأينا جلبه لمزيد تبين لمساق الحجة عند ابن درستويه. وانظر كذلك السيوطي: المزهر، ج ١، ص ٣٠٢ (والراجح أن المصنف اعتمد في النقل عليه).
(٢) الحديث عن عائشة رضي الله عنها، سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٣) يعني أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>