بين ذلك أن أبا بكر سُمي خليفة؛ لأنه قام بعد النبي بزعامة العرب. وكأنه بهذا ينحو إلى أن إطلاق اسم الخليفة على أبي بكر ضربٌ من المجاز، وإن شئت من التمويه يُقصد به إخضاعُ المسلمين، كما صرح بذلك قوله:"ولهذا اللقب روعة، فلا غرو أن يختاره الصديق وهو الناهض بدولة حديثة" إلخ.
ثم استنتج أن تسمية الخارجين على أبي بكر بالمرتدين قريبٌ من هذا التهويل، وأغمض عينيه عما ملئ به التاريخُ والحديث من انقسام المسلمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاث طوائف:
١ - طائفة ثابتة على الدين وعلى الجامعة الإسلامية وهم أفاضل المسلمين وعلماؤهم وأعيانهم والسابقون منهم.
٢ - وطائفة ثبتت على الدين وخرجت عن الجامعة وهم الذين منعوا الزكاة، وهؤلاء هم جفاة العرب ومن أجرأهم من رؤسائهم الذين لم يفهموا من الدين إلا ظاهرًا، وكانوا يسرون لكيده حسوًا في ارتغاء (١)، مثل مالك بن نويرة. ومن هؤلاء هوازن وبنو سليم وبنو عامر وعبس وذبيان، وبعض بني أسد وبني كنانة.
٣ - وطائفة كفروا بالله ورسوله، مثل غَطَفان وطيِّئ وأسد وتغلب واليمامة. وقد ظهر فيهم مَنِ ادعى النبوةَ، مثل طُليحة الأسدي في بني أسد، وسجاح التغلبية ومسيلمة الكذاب.
وقد سمى المسلمون يومئذ الطائفةَ الأولى باهل الجماعة، وهو معنى قول العلماء بعد ذلك فلان من أهل السنة والجماعة، أو ممن لا يرى الخروج على أئمة الإسلام. وقد قاتل أبو بكر الفريقين بسيوف الصحابة وأفاضل المسلمين، إلا أن قتاله لما نعي الزكاة قتالُ تأديب وقتاله للمرتدين قتال ارتداد. وسموا تلك الحروب
(١) هذا تصرف في المثل القائل: "يُسِرُّ حسوًا في ارتغاء"، وهو يُضرب لمن يُظهر أمرًا ويبطن ويريد خلافَه.