للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنكولٍ عن الاستعارة (١)، وأن الترشيح قد يكون باقيًا على حقيقته إذا لم يكن لمعناه الوضعي شبيهٌ كما في قوله: "له لبد"، وقوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)} [النساء: ٤]، إذا كان معنى "فكلوه" فخذوه أخذًا لا رد فيه، والهنيء المري من صفات الطعام. ولم يقصد هنا استعمالهما في وصفٍ للمال كالإباحة؛ لأن معنى الإباحة قد استفيد من الأمر في قوله: "كلوه"؛ لأن الأمر هنا للإباحة.

وقد يكون استعارة إذا كان لمعناه شبيه يناسب التشبيه، كما في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: ١٠٣]، فهو استعارة على استعارة. وإذا كان صالِحًا لذلك لم يظن بالبليغ أن يفلته. ومن النادر أن يقصد المتكلم من التجريد إبطالَ الاستعارة، فيكون التجريد بمنزلة إخراج الخِبْء، كقولها:

أَسْتَغْفِرُ اللهَ لأَمْرِي كُلِّهْ ... قَتَلْتُ ظَبْيًا نَاعِمًا فِي دَلِّهْ

انْتَصَفَ اللَّيْلُ وَلَمْ أُصَلِّهْ (٢)


(١) أردتُ بهذا بيانَ الفرق بين الترشيح الذي يُعدُّ مُجرَّدَ ترشيح وبين ما يتعين أن يُعد استعارةً للرد على السمرقندي في قوله: "ويحتمل الوجهين". - المصنف. الباجوري، إبراهيم بن محمد بن أحمد: حاشية على الرسالة السمرقندية، نشرة بعناية إلياس قبلان (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ٢٠٠٩)، ص ٢١٦.
(٢) حكى الأصمعي قال: "سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِذَنْبِي كُلِّهْ ... قَبَّلْتُ إِنْسَانًا بِغَيْرِ حِلِّهْ
مِثْلَ الغَزَالِ نَاعِمًا فِي دَلِّهْ ... فَانْتَصَفَ اللَّيْلُ وَلَمْ أُصَلِّهْ
فقلتُ لها: قاتلك الله ما أفصحكِ! فقالت: ويحك! أَوَ يُعَدُّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)} [القصص: ٧]، فجمع في آية بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين". القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي وآخرين (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢٧/ ٢٠٠٦)، ج ١٦، ص ٢٣٤. وفي رواية أنه قال: "فأعجبتُ بفهمها وذكائها، كما أعجبتُ بفصاحتها". وانظر كذلك: اليحصبي، القاضي أبو عياض ابن موسى: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (بيروت: دار ابن حزم، ط ١، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>