للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلَاحِ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقْلَمِ (١)

فقوله "له لبد أظفاره لَمْ تُقْلَمِ" ترشيحان، وقول النابغة:

وَبَنُو قُعَيْن لَا مَحَالَةَ أَنَّهُمْ ... آتُوكَ غَيْرَ مَقَلَّمِي الأَظْفَارِ (٢)

وقد يأتون مع الاستعارة بما يناسبُ المعنى المستعارَ له إغراقًا في الخيال أيضًا، بدعوى أن المشبَّه قد اتحد بالمشبَّهِ به فصارا حقيقةً واحدة، حتى إن الأسدَ يحمل بيده سيفًا في قوله: "لدى أسد شاكي السلاح"، وحتى إن ريح الشمال تُمسِكُ بيدها زمامًا في قوله: "بيد الشَّمال زِمامُها". ويسمون ذلك تجريدًا؛ لأن الاستعارة جُرِّدت عن دعوى التشبيه إلى الحكم بالاتحاد والتشابه التام. ويكون ذلك مع المصرحة والمكنية، كما علِمْتَه في المصرحة. وأما المكنية فإن ما يُذكَرُ من لوازم المشبه به صالِحٌ أبدًا ليكون ترشيحًا، فكلٌّ من التجريد والترشيح إكمالٌ للاستعارة وإغراقٌ في الخيال. ومن ثم لم يمتنع الجمعُ بينهما في كثير من كلامهم، كما في بيت زهير المتقدم.

وهذا يحقق لكم أن كلًّا من الترشيح والتجريد مشتمِلٌ على مبالغة في التشبيه من جهة (٣)، وان الترشيح والتجريد يخالفان القرينة (٤)، وأن التجريد ليس


(١) ديوان زهير بن أبي سلمى، ص ١٠٨. والبيت من قصيدة ورد ذكرها في حاشية سابقة.
(٢) ديوان النابغة الذبياني، ص ٥٦ (نشرة محمد أبو الفضل إيراهيم) وص ١٠٦ (نشرة ابن عاشور). والبيت من قصيدة يهجو فيها النابغة زرعة بن عمرو بن خويلد من بني كلاب. هذا وبين النشرتين اختلاف في ترتيب بعض أبيات هذه القصيدة.
(٣) وفيه رد على قول من رأى أن اجتماع الترشيح والتجريد يصير الاستعارة مطلقة ودفع لما يقال: كيف يجمع بين قصد المبالغة وقصد التضعيف في استعارة واحدة كبيت زهير. - المصنف.
(٤) لأن القرينة في الغالب حالية، فإذا كانت لفظيةً فالمتكلم لم يرد منها ترشيحًا، أي إغراقًا في التشبيه. على أنه قد يقال: إن الترشيح والتجريد يحصلان ولو مع اعتبار قرينة المصرحة تجريدًا وقرينة المكنية ترشيحًا، لإمكان دلالة كل على الأمرين في آن واحد، إذ هي اعتباراتٌ أدبية يعتبرها المتكلم وينبه السامعَ إليها. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>