للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالة المتردد في الرأي بحال المتردد في المشي، واستعير المركَّب الدال على التردد في المشي للدلالة على معنى التردد في الرأي، وكذا قول عبد الله بن المعتز:

اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الحَسُو ... دِ فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُهْ

فَالنَّارُ تَأْكُلُ نَفْسَهَا ... إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهْ (١)

فقوله: "فالنار تأكل" إلخ مركَّبٌ مستعملٌ في غير ما وُضع للدلالة على معناه، إذ هو الآن مستعملٌ في معنى أن الحسود يرجع وبالُ حسده عليه ولا يضر به إلا نفسَه، كالنار تأكل نفسها إذا تُركت، ولم يُلقَ فيها شيءٌ تُحرقه (٢). وكذلك قولُهم: "انتهز الفرصة" شبَّهَ هيئةَ المبادر للفعل بالبادر لنوبة شرب الماء.

والاستعارةُ التمثيلية تتفرع عن التشبيه المركَّب المتقدم ذكره.

هذا والبلغاء يتفننون، فيأتون مع الاستعارة بما يناسب المعنى المستعارَ إغراقًا في الخيال، فيُسمَّى ذلك ترشيحًا، نحو قول زهير:


= جعفر الكاتب: كتاب نقد النثر، تحقيق ودراسة عبد الحميد العبادي مع تمهيد في البيان العربي بقلم طه حسين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤١٦/ ١٩٩٥)، ص ١٠٠ - ١٠١. هذا وهناك من شكك في نسبة هذا الكتاب إلى قدامة بن جعفر مؤكدًا أنه لا يمت إليه بصلة. انظر في ذلك: ابن جعفر، أبو الفرج قدامة: نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي (القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، ط ١، ١٤٢٦/ ٢٠٠٦)، ص ٤٣ - ٤٤ (مقدمة المحقق). كما كان حفنى محمد شرف أصدر في عام ١٩٦٩ بالقاهرة كتابًا بعنوان "البرهان في وجوه البيان" منسوبًا إلى أبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب وذكر أنه في الحقيقة كتاب ظل منسوبًا خطأً إلى غير اسمه وغير مؤلفه زمنًا طويلًا، يعني الكتاب المسمى "نقد النثر" المنسوب لقدامة بن جعفر. والله أعلم بالحقيقة في هذه الأقول وغيرها.
(١) ديوان أشعار الأمير أبي العباس، ج ٢، ص ٤١٢.
(٢) ويقاس على هذا المثال غيرُه، واعلم أن كلَّ تشبيه وجهُه مركَّبٌ من متعدد يصير استعارةً تمثيلية بأن تَحذِفَ أداةَ التشبيه وتستعير المركبَ المشبه به للمعنى المشبه، كما تعمد إلى بيت بشار فتصيره: "فسقطت شُهبُنا عليهم في ليل القتام"، وكما تقول: "فالتهمتهم نيرانُ الرماح ولها في دخان الغبار اضطرام". وبذلك تكثر لديك أمثلةٌ صالحة للتمثيلية التي لم يكثروا لها التمثيل. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>