للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحرص على الاختصار مع توفير المعاني، فربما أتوا بالفعل وعدّوه بحرف غير الحرف الذي حقه أن يتعدى به ليشعر السامع بفعل محذوف فيكون كمن غير جملتين كقوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)} [النازعات: ١٨]؛ لأن العرب تقول: "هل لك في كذا؟ "، وتقول: "أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى" (١).

وتكلم العلامة الزمخشري في طالعة كتاب "أساس البلاغة" على التفرقة بين ما هو حقيقة وما هو مجاز، فقال في تعداد منافع كتابه: "ومنها تأسيسُ قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح، بإفراد المجاز عن الحقيقة، والكناية عن التصريح" (٢). وكذلك حاول العلامة السكاكي - في باب الإنشاء من المفتاح - إرجاعَ معاني بعض الأدوات إلى جمع معنَيَيْ أداتين، مثل حروف التنديم والتحضيض نحو "هلَّا"


= تكون الباء بمعنى عن وعلى، ويحتجون بقولهم: رميت بالقوس، أي عنها وعليها، كقوله: أرمي عليها وهي فرعٌ أجمعُ". ثم يواصل فيقول: "ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا، لكنا نقول إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع، على حسب الأحوال الداعية إليه، والمسوِّغة له. فأما في كل موضع وعلى حال فلا؛ ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلًا هكذا، لا مقيدًا، لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد وأنت تريد: معه، وأن تقول: زيد في الفرس، وأنت تريد: عليه، وزيد في عمرو، وأنت تريد: عليه في العداوة، وأن تقول: رويت الحديث بزيد، وأنت تريد: عنه، ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع في ذلك رسمًا يُعمل عليه، ويؤمن التزام الشناعة لمكانه. اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه. وذلك كقول الله عز اسمه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧]، وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة وإنما تقول: رفثت بها أو معها. لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء، وكنت تعدي أفضيت بـ (إلى) كقولك: أفضيت إلى المرأة، جئت بـ (إلى) موقع الرفث، إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه. كما صححوا عَوِر وحَوِل لمَّا كانا في معنى اعورَّ واحولَّ، وكما جاؤوا بالمصدر فأجرَوْه على غير فعله لما كان في معناه". الخصائص، ج ٢، ص ٩١ - ٩٢.
(١) المصدر نفسه، ص ٩٣.
(٢) الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد: أساس البلاغة، تحقيق محمد باسل عيون السود (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٩/ ١٩٩٨)، ج ١، ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>