للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: مر أعرابِيٌّ بعيسى بن عمر الربعي فرآه يعلف بعيرًا له، فقال له: "كذب عليك البزر والنوى"؛ أي النابل ونوى التمر. قال الزمخشري: "هذا اللفظُ جرى مجرى المثل، فلذلك لزم طريقةً واحدة". (١)

ومضر ترفع الاسمَ الواقع بعده على الأصل، ويجعلون (على) حرف الجرِ لتعدية كذب. وقحطان ينصبون الاسم، ويجعلون (عليك) اسم فعل، بمعنى الْزَم، مثل "عليكم أنفسكم"، وهو عندهم كلامان أصلُهما كذَب عليك كذا عليك كذا، فحذف من الأوائل لدلالة الأواخر. وقد قيل إن النصب غير معروف، فلعل عرب اليمن نقلوا هذا التركيب عن مضر، فنصبوه على اعتقاد أن عليك اسم فعل، والعربي إذا خرج عن لغة قومه وتكلم بلغة قوم آخرين يعتريه الغلط؛ لأنه يكون متصنِّعًا، كما وقع للفرزدق - وهو تميمي - في قوله:

فَأَصْبَحُوا قَدْ أعَادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ إِذْ ... هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مثلَهُمْ بَشَرُ (٢)

بنصب مثلَهم، تَوهَّم أن قريشًا يُعمِلون "ما" عمل "أن" بلا شرط، مع أنه مشروطٌ بأن لا يتقدم خبرها على اسمها، وإلا فإنها تهمل، فيستوي قريش وتميم في رفع الاسمين بعدهما.


= كَذِبْتُ عَلَيْكَ لَا تَزَالُ تَقُوفُنِي ... كَمَا قَافَ آثَارَ الوَسِيقَةِ قَائِفُ
فقوله: كذبت عليك، إنما أغراه بنفسه، أي عليك بي، فجعل نفسَه في موضع رفع. ألا تراه قد جاء بالتاء فجعلها اسمه؟ " الهروي: غريب الحديث، ج ٢، ص ٢٦.
(١) أورد المصنف كلام الزمخشري بتصرف، ولفظه: "هذا، وعندي قولٌ هو القول: وهو أنها كلمةٌ جرت مجرى المثل في كلامهم، ولذلك لم تصرف ولزمت طريقةً واحدة في كونها فعلًا ماضيًا معلَّقًا بالمخاطب ليس إلا. وهي في معنى الأمر: كقولهم في الدعاء: رحمك الله". الفائق في غريب الحديث (الكاف مع الذال)، ج ٣، ص ٢٥١.
(٢) البيت هو الثالث والثلاثون من قصيدة في خمسة وأربعين بيتًا من بحر البسيط، قالها الفرزدق في مدح الخليفة عمر بن عبد العزيز. ديوان الفرزدق، ج ١، ص ٣١١ - ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>