للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع أنحاء العلم حتى كيفية الأكل والاضطجاع؛ إذ لا يجوز أن يفوت مثلَهما في إحاطتهما وحفظهما وخبرتهما بالرجال حديثٌ بلغ من الشهرة ذلك المبلغ لو كانت شهرة صادقة.

ومن هنا نتيقن إلى مغمز لطيف، وهو أن كثرة أسانيد هذا الحديث ورواياته، مما يثير لنا ريبةً قوية في حرص مُشيعيه على رواجه بين الناس، فيكتسب بتلك الطرق المختلفة شهرةً وقوةً حتى يطمئن له عامةُ المسلمين.

وهل نظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي سكت عن التعرض للخلافة من بعده مع عظم أمرها وشرف منصبها في الدين ومع ما يُتوقع من الفتنة بين المسلمين عقب وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لولا أن عصم اللهُ هذه الأمةَ ببركة نبيها حتى التجأ كبراء الصحابة يوم السقيفة إلى استنباط شروط الخليفة من طريق ترسم إشارات أفعال رسول الله في حياته مثل وصايته بالأنصار ولم يوص بالمهاجرين، ومثل تقديمه أبا بكر للصلاة في مرضه، ومن طريق المصلحة العامة مثل قول أبي بكر: "إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش"، (١) أَيَتْرُكُ رسولُ الله ذلك كلَّه ويهتم ببيان قائم يقوم في أمته في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا؟

هذا حالُ أمثل الروايات في شأن المهدي، وخلاصةُ القول فيها من جهة النظر أنها مستبعدة مسترابة. وإننا لو سلمنا جدلًا بارتفاعها على رتبة الضعف، فإنا لا نستثمر منها عقيدةً لازمة ولا مأموراتٍ مندوبة، بله الجازمة.

أما بقيةُ الآثار المروية في هذا الشأن مما هو نازلٌ في الضعف عن مرتبة هذه الطرق، فما زادَتْها كثرتُها إلا اضطرابًا وتناقضًا ونَدًّا على قصد صانعيها. وهذا ملاكُ حالها، ولا حاجةَ إلى التطويل بتشخيص ذلك تفصيلًا، فمَنْ شاء فَلْيَرْجِعْ إليها في


(١) ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، نشرة بعناية معروف زريق (دمشق/ بيروت: دار الخير، ١٤١٧/ ١٩٩٦)، ج ٢/ ٤، ص ٢٣٠. ولفظ كلام أبي بكر: "ولن تعرف العربُ هذا الأمرَ إلا لهذا الحي من قريش".

<<  <  ج: ص:  >  >>