للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإيضاحُ فهو شرح تلك المعاني، وذكر أدلتها وفروعها، ليمكن حينئذ التعبيرُ عنها بوجهٍ سهل التصور للسامعين. فإذا حصل ذلك، لم يبق إلا كسوُ تلك المعاني بالألفاظ، فتسهلُ الإفاضةُ في إنشاء الموضوع المراد على حد ما قيل: "فإن وجدتَ لسانًا قائلًا فقلِ" (١).

نُقِل عن عبد الله ابن المعتز أنه قال: "إن البلاغة بثلاثة أمور: أن تغوص لحظة القلب في أعماق الفكر، وتجمع بين ما غاب وما حضر. ثم يعود القلب على ما أُعمِل فيه الفكر، فيُحكم سياقَ المعاني ويحسن تنضيدها. ثم يبديه بألفاظ رشيقة مع تزيين معارضها واستكمال محاسنها". (٢)

واعلمْ أنه قلما يستطيع الكاتبُ أو الخطيب أن يتناولَ الموضوعَ من أوله إلى نهايته دفعةً واحدة، فإن هو كلَّف عقلَه ذلك أرهقه ضَجَرًا، ولا سيما عند تشعُّب


(١) هذا عجز البيت الخامس من قصيدة للمتنبي يمدح فيها سيف الدولة ويعتذر إليه، وذلك في سنة ٣٤١ هـ:
وَقَدْ وَجَدْتَ مَجَالَ الْقَوْلِ ذَا سَعَةٍ ... فَإِنْ وَجَدْتَ لِسَانًا قَائِلًا فَقُلِ
ومطلعُها:
أَجَابَنِي دَمْعِي وَمَا الدَّاعِي سِوَى ... طَلَلٍ دَعَا فَلَبَّاهُ قَبْلَ الرَّكْبِ والإِبِلِ
البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ٣، ص ٢٠٥.
(٢) ذكر لويس شيخو هذا التعريف للبلاغة ناسبًا إياه إلى كل من ابن المعتز والشيباني، وذلك في معرض كلامه على أصول الخطابة. اليسوعي، الأب لويس شيخو: كتاب علم الأدب، ج ٢: في علم الخطابة (بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين، ط ٣، ١٩٢٦)، ص ١٣. وقريبٌ منه ما أورده الحصري: "قال أبو العباس ابن المعتز: لحظةُ القلب أسرع خطرة من لحظة العين، وأبعدُ مجالًا، وهي الغائصة في أعماق أودية الفكر، والمتأملة لوجوه العواقب، والجامعة بين ما غاب وما حضر، والميزانُ الشاهدُ على ما نفع وضر، والقلبُ كالمملي للكلام على اللسان إذا نطق، واليد إذا كتبت، والعاقل يكسو العاني وشي الكلام في قلبه، ثم يبديها بألفاظ كواسٍ في أحسن زينة، والجاهل يستعجل بإظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها، واستكمال محاسنها". الحصري القيرواني، أبو إسحاق إبراهيم بن علي: زهر الآداب وثمر الألباب، تحقيق صلاح الدين الهواري (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، ط ١، ١٤٢١/ ٢٠٠١)، ج ١، ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>