وقد يكون البيان بالإشارة، كما خطب مصعب بن الزبير حين قدم العراق، فإنه صعد المنبر ثم قال:"بسم الله الرحمن الرحيم، {طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)} , وأشار بيده نحو الشام, {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)} , وأشار بيده نحو الحجاز, {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (٦)} [القصص: ١ - ٦]، وأشار بيده نحو الشام"(١)، يريد بالأولى عبد الملك، وبالثانية أنصار أخيه بمكة، وبالثالثة الحجاج وأنصاره.
[الركنُ] السادس: الغايةُ، وهي التحريض أو التحذير، وشأنها أن تقع آخرَ الخطبة، وقد يقدمها الخطيبُ ثم يأتي بعدها بغيرها، فتصير المقدمة دليلًا إذا تأخرت، وتعرى الخطبةُ عن المقدمة حينئذ.
[الركنُ] السابع: خاتمةُ الخطبة، ويحسن فيها أن تكون كلامًا جامعًا لما تقدمه، أو إشارة إلى أنه قد أتى على المقصود وانتهى منه، أو أمرًا بالتثبيت أو دعاءً، أو نحو ذلك. وإنما يكون ذلك عند إتيان الكلام المتقدم على الغرض المقصود واستيفائه. وقد يكون ذكر الشعر في الخطبة إشارة إلى نهايتها كما سيأتي.
وللبحث عن كيفية تنسيق الخطبة ونسجها مزيدُ تعلقٍ بهذا الفن، حسبما أشرنا إليه عند الكلام على أصول الخطابة. ولا يكاد يستطيع أحدٌ حصرَ الضوابط في هذا الغرض؛ لأنه يأتي على جميع فنون البلاغة والأدب، فيوُكَل ذلك إلى حُسْنِ اختيارِ الألمعِيِّ ورشيقِ توقيف المدرس النِّحرير. إلا أن جملةَ القول أنه لا يعدو المطابقةَ لمقتضى أحوال السامعين، واختلاف الأذواق باختلاف مراتب الأذهان والعصور والبلدان. فيكون على منوالِ كلِّ ذلك نسيجُ معاني الخطب وتنسيقُ
(١) الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٦، ص ٩٣. أورد المصنف نص الخطبة بشيء من تصرف، وسقناه كاملًا كما رواه الطبري.