للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخَطْرَها، ثم طَواها الذهنُ ببسطِ مسائلَ أخرى، وثَنَى عِنَانَ طِرْفه فأطلق له في ميادن فسيحةٍ وأجرى. فإذَا بهذه النشرةِ تطالعُنِيها مطالعةَ الخريدة، تبسِم إلى الصَّبِّ فتردُّ محبتَه الرثَّة جديدة، أو كالظَّبْيِ ينفر عن مراعاة رَبْرَبِه (١)، ثم يُنِيلُها عِطْفَه وجيدَه (٢).

ذلك هزَّ من عِطفي وحرَّك سواكني إلى مراجعة عهدٍ مضى، فأصدّق عزمًا قديمًا وغرضَا، هو العزم على أن أعلق على هذه القدمة القيمة، وأسرح إليها جوادَ الذهن وأسومه. فإنها جديرةٌ بشرح ينشر مطاويها الوفيرة الأغراض، ويصدِّق شَيْمَ مَنِ اتبع صوبَ بروقها المتكررة الإيماض، إذ هيَ من قبيل اللمحة الدالة، والخريدة الملتحفة غير المتجالَّة (٣). فهي خليقةٌ بِفَسْر كثيرٍ من معانيها؛ إذ كانت مُفْرَغَةً في دقَّة صياغة، ولو أُخِذتْ على غِرِّها لم يُدرِكْ غورَها سوى الراسخين في البلاغة، فعُنيتُ بتوضيح دقائقها، واكتفيتُ في بعض المواضع بالحوالة على كتب الأدب.

ومن غريب الاتفاق أني حين حلَلْتُ بالآستانة في أواخر العام ١٣٧٠ هـ لحضور المؤتمر الثاني والعشرين للمستشرقين (٤)، ورأيتُ خزائنَ كتبها الثرية، كان


(١) الرَّبْربُ: القطيع من الظباء، ومن البقر الوحشيِّ والإنسيّ، لا واحد له. والجمع: رَبَارِب.
(٢) ذلك قبل أن يصل إلينا الجزء الأول من شرح المرزوقي طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة ١٣٧١ هـ التي اعتمدت نسخة الآستانة. - المصنف. وهي الطبعةُ التي حققها تحقيقًا بديعًا العلامة عبد السلام هارون، وصدرها الأستاذ أحمد، عليهما رحمة الله، وصدرت في أربعة أجزاء سنة ١٩٥١.
(٣) متجالة: من تجالت المرأة، إذا كبرت وأسنت. والخريدة، هي البكر، وغير المتجالة: غير المسنة. ووجهُ المقابلة هنا أن الالتحافَ عادةً من صنيع النساء المسنات، على عكس الأبكار الصغار، فإنهن لا يلتحفن. هذا طبعًا في وقت كان الحشمة والحياء من القيم المرعية في المجتمع، فكانت اللغة مرآة عاكسة لذلك!
(٤) عقد هذا المؤتمر (وهو المؤتمر المستشرقين الدولي الثاني والعشرون) في إستانبول خلال الأيام ١٥ - ٢٢ أيلول/ سبتمبر ١٩٥١ م، وبلغت محاوره خمسة عشر محورًا، كان أحدها محور الشؤون الإسلامية الذي تضمن محاور فرعية هي
١ - اللغة العربية وآدابها،
٢ - التاريخ والثقافة،
٣ - الاجتماعيات.
وقد حضر هذا المؤتمرَ عددٌ من المستشرقين المشهورين من أمثال هاملتون جب Hamilton Alexander Rosskeen Gibb (١٨٨٥ - ١٩٧١)، وألفرد غليوم Alfred Guillaume (١٨٨٨ - ١٩٦٦)، وهنري ماسيه Henri Masse (١٨٨٦ - ١٩٦٩)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>