للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وأما السبب في قلة البلغاء وكثرة الشعراء ونباهة أولئك وخمول هؤلاء" (١)،

هذا جوابٌ عن المسألة الأولى في كلام السائل، وأراد بالبلغاء الكتَّابَ البلغاء، كما يبينه قوله: "منها أن المترسل محتاج. . ." إلخ، ويبينه أيضًا أنه موضوع البحث لقوله في حكاية السؤال: "معرفة السبب في تأخر الشعراء عن رتبة الكتاب والعذر في قلة المترسلين وكثرة المفلقين". وقد تقدم وجهُ هذه العبارة عند شرح قوله: "اعلم أن تأخر الشعراء عن رتبة البلغاء. . ." إلخ.

وكأن اللام في "البلغاء" للعهد؛ لأنه لما ذَكَرَ في صدر المقدمة رغبةَ السائلِ الكشفَ عما تحيَّر فيه قال هنالك: "وقلتَ أيضًا: أتمنى أن أعرف السبب في تأخر الشعراء عن رتبة الكتاب البلغاء. . ." إلخ، وسببُ ذلك كلِّه أن أغلبَ المترسلين كانوا في عِدَادِ كُتَّاب الدولة، فصار الترسُّلُ مُقارِنًا في الأذهان لصناعة الكتابة التي لها نباهةٌ في الدولة. ولذلك لم يتعرض المؤلفُ للخطباء في الإسلام، اكتفاءً بما ذكره من فضل الخطابة في العصر الجاهلي، واعتدادًا بأن الكتابةَ غطت على الخطابة وغَمَرَتْها بين أهل الدولة.

و"النباهة" مصدر نَبُهَ بضم الباء، ويجوز فيها الفتحُ والكسر، وهي الشرفُ وعلوُّ القدر. و"الخمولُ" ضِدُّ النباهة، ولم يصرِّح بحركة الخاء منه، ولكن قياسه ضمُّ الخاء؛ لأن مصدر فعل المفتوح العين اللازم يكون على وزن فَعول - بضم الفاء - باطراد، إلا في أفعال الامتناع، وأفعال الاضطراب، وأفعال الأدواء (٢).

"فهو أن المترسِّلَ محتاجٌ إلى مراعاة أمور كثيرة، إن أهملها أو أهمل شيئًا منها، رجعت النقيصةُ إليه، وتوجهت اللَّائمةَ عليه" (٣)،


(١) نشرة هارون، ج ١، ص ١٩.
(٢) راجع في ذلك: البُدير، صلاح بن محمد: حصول المسرة بتسهيل لامية الأفعال بزيادة بَحْرقَ والاحمرار والطرة (الرياض: مكتبة دار المنهاج، ١٤٢٨).
(٣) نشرة هارون، ج ١، ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>