وأقول: إن الكتَّابَ المشروطةَ فيهم هذه الشروطُ هم كُتَّابُ الرسائل السلطانية، ومَنْ كان في مرتبتهم. وهمُ الذين منهم تُختار الوزراء دون أصنافٍ آخرين من الكتاب، مثل كاتب القاضي، وكاتب الخراج، وكاتب الجند، وكاتب الحساب وغيرهم، وهم مراتب، وشروطُهم كذلك، وهي منحصرة فيما به إجادة عملهم.
• "منها تَبَيُّنُ مقادير مَن يكتب عنه وإليه، حتى لا يرفع وضيعًا ولا يضع رفيعا. ومنها وزنُ الألفاظ التي يستعملها في تصاريفه، حتى تجيءَ لائقةً بمن يُخاطب بها، مفخِّمةً لحضرة سلطانه التي يصدر عنها. ومنها أن يعرف أحوالَ الزمان وعوارضَ الحدَثَان، فيتصرَّفَ معها على مقاديرها في النقض والإبرام، والبسط والانقباض. ومنها أن يعلم أوقاتَ الإسهاب والتطويل، والإيجاز والتخفيف، فقد يتفق ما يُحتاج فيه إلى الإكثار حتى يستغرق في الرسالة الواحدة أقدارَ القصائد الطويلة؛ ويتفق أيضًا ما تغني فيه الإشارةُ وما يجري مجرى الوحي في الدلالة. ومنها أن يعرف من أحكام الشريعة ما يقف به على سواء السبيل، فلا يشتطُّ في الحكومة، ولا يعدل فيما يخط عن المحجة؛ فهو إنما يترسل في عهود الولاة والقضاة، وتأكيد البيعة والائتمان، وعمارة البلدان، وإصلاح فساد، وتحريض على جهاد، وسد ثغور، ورتق فتوق، واحتجاج على فئة، أو مجادلة لملة، أو دعاء إلى ألفة، أو نهي عن فرقة، أو تهنئة بعطية، أو تعزية برزية، أو ما شاكل ذلك من جلائل الخطوب وعظائم الشؤون التي يحتاج فيها إلى أدوات كثيرة ومعرفة مفتنة"(١).
أشار إلى أشد ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء، وهو أهمُّ ما ذكره صاحبُ "صبح الأعشى" آنفا. ومرجع ذلك كله إلى أن يكون ما يصدر عن الكاتب مصادفًا للصواب، سالمًا من أن يرد عليه طعنٌ أو تخطئة؛ لأنه إن عُرِّصت الدولةُ إلى الطعن أو التخطئة فيما يصدر عنه، زالت حُرمَةُ السلطان، أو نُسِب إلى الجور.