للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ النَّعِيمُ وَإِنْ كُنَّا نُزَنّ بِهِ ... إِلَّا نَعِيمَ سُهَيْلٍ ثُمَّ حمَّادِ (١)

[وكان] قويّ الرد على من خالفه، كثير المحادثة، كثير فلتات اللسان. وكان بذيء اللسان، شديد الأذى. قال الخطيب في "تاريخ بغداد" عن أبي عبيدة: "كان بشار يقول الشعر وهو صغير، وكان لا يزال قومٌ يشكونه إلى أبيه، فيضربه، حتى رقّ عليه من كثرة ما يضربه". (٢)

ويظهر من أخباره الآتية أنه كان شجاع القلب، قليل الاكتراث بالمخاطر، قويًّا في الثبات على رأيه، وكان نزَّاعًا إلى العصيان والثورة. قال في الأغاني: كان يُفسد مواليَ العرب عليهم، ويدعوهم إلى الانتفاء منهم، ويرغبهم في الرجوع إلى أصولهم وتركِ الولاء. وقد ذكروا من شعره قولَه يريد نفسه، أو يخاطب بعضَ الموالي:

أَصْبَحْتَ مَوْلَى ذِي الجَلَالِ وَبَعْضُهُمْ ... مَوْلَى العُرَيْبِ فُجُدْ بِفَضْلِكَ وَافْخَرِ

[مَوْلَاكَ أَكْرمُ مِنْ تَمِيمٍ كُلِّهَا ... أَهْلِ الفَعَالِ وَمِنْ قُرَيْشِ المَعْشَرِ]

فَارْجِعْ إِلَى مَوْلَاكَ غَيْرَ مُدَافَعٍ ... سُبْحَانَ مَوْلَاكَ الأَجَلِّ الأَكْبَرِ (٣)


(١) هذا البيت هو الأول من أبيات أربعة من بحر البسيط. ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٦.
(٢) وفيما حكاه أبو عبيدة شيءٌ من طرافة تجعل من المناسب سوقَ الحكاية كاملة، قال: "كان بشار يقول الشعر وهو صغير، وكان لا يزال قومٌ يشكونه إلى أبيه، فيضربه، حتى رقّ عليه من كثرة ما يضربه. وكانت أمه تخاصمه في ذلك، فكان أبوه يقول لها: قولِي له يكف لسانه عن الناس. فلما طال ذلك عليه، قال ذات ليلة: يا أبت لم تضربني كلما شكوْني إليك؟ قال: فما العمل؟ قال: احتج عليهم بقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: ١٧]. فجاؤوه يومًا فقال لهم هذا القول، فقالوا: فقهُ برد أضرُّ علينا من شعر بشار". الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام، ج ٧، ص ٦١١.
(٣) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٣٩ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٤٤ (نشرة الحسين). وقد ساق المصنف كلام الأصفهاني بمعناه لا بلفظه. ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤ (الملحقات)، ص ٧٥ - ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>