كلُّ زعيم في صقعه السلطانَ لنفسه، وضعف أمرُ الخلافة العباسية لظهور الدولة السامانية (١) فيما وراء النهر، والدولة البويهية في العراق، ودولة بني طولون بمصر، والدولة الصغارية بسجستان وخراسان، ودولة بني حمدان بالموصل والجزيرة والشام.
وفي أول هذا القرن ابتُلِىَ المسلمون بولاية الحاكم الفاطمي مُلْكَ مصر، وتفاقم حزبُ غلاة الشيعة بسائر أقطار الإسلام إدلالًا بملوكهم في مصر، وأنصارهم في الأقطار بالعراق والشام وجباله، وبإفريقية. وآلت الحال بالحاكم إلى أن ادعى الإلهية، واستوزر حمزةَ زعيم الإسماعيلية من الفاطمية، فأصبح المشرقُ والمغرب في مرج وفتنة من جراء تعدد الدول، وظهور ضلال النحل، وأصبحت قوةُ دول الإسلام مسلطة على أنفسهم بالحروب الطاحنة التي أزهقت النفوس، وكانت قصاراها أخذًا وردًّا في أصقاع الإسلام. فضعفت السلطنةُ الإسلامية وجاه أعداءُ الإسلام، وانقطعت الفتوحُ وبَثُّ الدعوةِ الإسلامية الذي كان من أمر الدين منذ ظهر الدين.
فظهر السلطان محمود بن سُبُكْتُكِين الغزنوي يمين الدولة، وصار إليه الملك بغزنة سنة ٣٨٨ هـ، وكان من أشد الثوار المتغلبين على الدولة العباسية، ومسّ بحروبه سائر الممالك التي استبدت على الدولة العباسية. كان محمود بن سُبُكتكين بَدَا له في سنة ٣٩٢ هـ أن يأتي عملًا يكون كفارة عما فرط منه في ابتداء تأسيس سلطانه من قتال المسلمين؛ فصمم العزمَ على أن يفتح للإسلام بلادَ الهند، فأخذ يستعد لغزو الهند، وهجم على تخومها، وكان يفتح البلاد، ويحمل أهلها على الإسلام.
وكانت الحربُ سجالًا، والهدنة تعقب قتالًا، وكان ملوك الهند كلما أحسوا بانصراف يمين الدولة عنهم نقضوا طاعتَه وكفروا، إلى سنة ٤٠٦ هـ[حينما] غزا الهندَ غزوتَه الفاصلة، فجهَّز جيشًا عظيمًا، فابتدأ بغزو بلاد الأفغان، ثم اخترق بلادَ