للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعِشْ وَاحِدًا أَوْ صِلْ أخَاكَ فَإِنَّهُ ... مقَارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجَانِبُهْ

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى القَذَى ... ظَمِئْتَ، وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَاربُهْ

[قال علي بن يحيى: ] وهذا الكلام الذي ليس فوقه كلامٌ من الشّعر ولا حشوَ فيه، فقال لي إسحاق: أخبرني أبو عبيدة [معمر بن المثنى] أن شُبَيْلَ بن عَزْرَةَ الضُّبْعِيَّ أنشده هذا الأبيات للمتلمس، وكان عالِمًا بشعره؛ لأنهما جميعًا من ضُبَيْعة، فقلتُ له: أفليس قد ذكر أبو عبيدة أنه قال لبشار: إن شبيلًا أخبره أنها للمتلمس؟ فقال (بشار): كذبَ والله شبيلٌ، هذا شعري، ولقد مدحْتُ به ابنَ هُبيرَةَ فأعطاني أربعين ألفا (١). . . ثم قلت لإسحاق: أخبرْنِي عن قول بشار في هذه القصيدة:

فَلَمَّا تَوَلَّى الحَرُّ وَاعْتَصَرَ الثَّرَى ... لَظَى الصَّيْفِ مِنْ نَجْمٍ تَوَقَّدَ لَاهِبُهْ

وَطَارَتْ عَصَافِيرُ الشَّقَائِقِ وَاكْتَسَى ... مِنَ الآلِ أَمْثَالَ المَجَرَّةِ ناضِبُهْ

غَدَتْ عَانَةٌ تَشْكُو بِأَبْصَارِهَا الصّدَى ... إِلَى الجَأْبِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُخَاطِبُهْ (٢)

وهذا من أحسن ما وُصف به الحمار والأُتنُ، أفهذا للمتلمس أيضًا؟ قال: لا، فقلت: أفما هو في غاية الجودة وشبيهٌ بسائر الشعر؟ فكيف قصد بشار لسرقة تلك الأبيات خاصة؟ وكيف خصَّه [يعني المتلمسَ] بالسرقة منه وحده من بين الشعراء وهو قبله بعصرٍ طويل؟ وقد روى الرواةُ شعره، وعلم بشارٌ أن ذلك لا يخفَى، ولَم يُعثر على بشار أنه سرق شعرًا قط جاهليًّا ولا إسلاميًّا، [وأخرى فإن شعر المتلمس يُعرف في بعض شعر بشار]، فلم يردّ ذلك بشيء". (٣)


(١) يريد بشار أن مثل ابن هبيرة وأدباء مجلسه لا يخفى عليهم شعرُ المتلمس. - المصنف.
(٢) في الأغاني: العانة: القطيع من حُمُر الوحش، والجأب: ذكرها، ومعنى شكواها الصدى بأبصارها: أن العطش قد تبين في أحداقها ففارت.
(٣) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٩٥ - ١٩٨ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٨٣ - ٦٨٤ (نشرة الحسين). وما بين الحاصرتين من كلام ابن يحيى ولم يذكره المصنف. ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ٣٢٦ و ٣٢٩ - ٣٣٠. والأبيات الستة من قصيدة من خمسة وثمانين بيتًا من =

<<  <  ج: ص:  >  >>