للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفارس، ثم تطرق إلى قارة إفريقيا، فدخل مصر وبرقة وإفريقية والمغربين (١) والصحراء. فمازج الحضاراتِ العتقيةَ كلَّها ومازجته، فلم يكن المسلمون في القرون الأولى من تاريخ الإسلام تقصر حضارتُهم عن حضارة أفضل الأمم المتمدنة، بل كانت تفوقها بما عليه المسلمون من التخلق بالفضائل الإسلامية.

وكانت أوروبا أيامئذ منقسمة قسمين: قسم شرقي وهو المجاور لبلاد الشام وهو المسمى بيزنطة وعاصمته القسطنطينية، وحضارته تساوي أو تفوق حضارات أفضل الأمم الأخرى، وقسم غربي وهو المجاور لإفريقيا، وأشهر عواصمه رومة، ولم يكن يومئذ يداني حضارة القسم الشرقي، على أن معظم بلاده لم يكن ذا حضارة معتبرة. ولقد وطئت أقدامُ المسلمين غربَ أوروبا بفتح بلاد الأندلس، وتوغلوا فيها زمنًا مستقرين أو مناوشين، فنشروا هنالك حضارةً وقعت من أمم غرب أوروبا بمحل الإعجاب، وكانت لفتح عين نهضتهم أكبرَ الأسباب.

وقد أخذت ممالكُ أوروبا في القرن الرابع عشر من تاريخهم المسيحي تسعى بخطًى واسعة إلى تأسيس تمدن منتظم، وحضارة فكرية سامية ومتماثلة تؤذن بما سيكون لممالك هذه القارة من الشأن والاتحاد التمديني في تاريخ التمدن الحديث، وسيادة العالم عن قريب. وكانت أوروبا الشرقية حينئذ مندحرة إلى السقوط والانحلال، فكان مستقبل سيادة العالم صائرًا إلى غرب أوروبا. ويومئذ كان المسلمون متزحزحين عن ممتلكاتهم الوحيدة في أوروبا، وهي كُوَر بلاد الأندلس؛ إذ قد استرد ملوكُ الجلالقة معظمَ تلك البلاد التي انتزعها منهم المسلمون.

فانحصر مُلْكُ المسلمين في أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل التاسع في رقعة ضيقة من أرض الأندلس هي كورة ألبيرة، وهي قطعة بين مدينة رندة (٢)


(١) وهما الأوسط والأقصى، أو الجزائر والمغرب. أما المغرب الأدنى فهي إفريقية أو تونس.
(٢) بضم الراء وسكون النون. - المصنف. تقع مدينة رندة (Randa) بإسبانيا في مقاطعة مالقة بالأندلس، يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء سنة ٢٠٠٦ حوالي مائة واثنتين وخمسين وواحد وأربعين ألف نسمة. عرفت هذه المدينة ازدهارًا كبيرًا في ظل الحكم الإسلامي للأندلس، وكانت =

<<  <  ج: ص:  >  >>