الجيوش وعمارة المدن. وكلها لم يعرفها الدين ولم ينكرها، وإنما تركها لنا لنرجع إلى إحكام العقل وقواعد السياسة إلخ.
وفي هاته الجمل كشفَ القناعَ عن مراده، وترك التوريةَ والتوجيه، ونفى عن الخلافة وعن القضاء الارتباطَ بالدين، وجعل ذلك خططًا سياسية، وجزم بأن ربطهما بالدين غلطٌ وتمويه، وبذلك سفّه كلَّ خليفة وفقيه.
فإن مَنْ يطلع على كتب الحديث والسيرة والتاريخ يرى أن علماء المسلمين وقواد جيوشهم وأفاضلَ كل عصر، كانوا إذا بايعوا الخليفة من عهد أبي بكر فما بعد بايعوه على كتاب الله وسنة رسوله. فإذا كانت الخلافةُ خطةً سياسية فما وجهُ ربطها بالكتاب والسنة؟ وقد جعلوا خروجَ الخليفة عن أصول الدين في مواضع معينة موجبًا لخلعه، كما جعلوا خروجَ القاضي عن الشروط المعروفة في الفقه أو عن القضاء بالطريق الشرعي موجبًا لعزله لعدم انعقاد حكمه. فإذا كان يرى جميع ذلك من التهويل والتمويه، ولا يرى أن سلف الأمة وعلماءها عن هاته المقاصد في مقام التنزيه، فحسبك بهذا دليلًا على قيمة كتاب أصول الحكم وما فيه.
ولعل فيما أتينا به من مجمل القول وتفصيله ما يكون لتعطش المطلع خيرَ شاف، ولا حاجةَ إلى زيادة الإطناب، فليس الرأي عن المتشاف.