الأستاذان السويسي وبوزغيبة، والثاني أننا أردنا إبرازَ التراث الفكري الذي تجلت فيه قدرةُ ابن عاشور ومهارته في كتابة المقال العلمي القائم على منهج في إثارة المسائل وتحليلها ومناقشتها وتحقيقها على نحوٍ يكشف عن عمق في التناول وأصالة في الرأي، فضلًا عن التنوع والسعة في الموضوعات والقضايا التي طرقها.
وقد رأينا أن نعضِّد تلك المقالات والرسائل بضمائم من مادة أخرى نُشرت بين يدي تحقيقه لعدد من دواوين الشعر وكتب الأدب كالدراسة الممتعة التي قدم بها لديوان بشار بن برد، وقد بينّا ذلك في مواضعه. بل رفدنا هذا المجموع بطائفة من الخطب التي ألقاها العلامة ابن عاشور في مناسبات مختلفة متصلًا جميعها بموقعه شيخًا لجامع الزيتونة وفروعه، كما حليناه بمخاطبات ورسائل (هي طرائف من النثر والشعر) صدرت منه لأشخاص من شيوخه وزملائه وأصدقائه. وجريًا على ما قالته العرب:"هذا الشبل من ذاك الأسد"، رأينا من المناسب أن نُدرج في هذا المجموع نَصَّيْن مهمين لنجله الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور ضممنا كلًّا منهما إلى المحور المناسب له، تتميمًا للفائدة وتعميقًا للنظر في القضايا المنضوية تحت ذلك المحور.
ومع ذلك كله، فلا مجالَ للزعم بأن ما تيسر لنا الوقوفُ عليه مما جمعناه في هذه الجمهرة قد أحاط بكل ما كتبه ونشره الشيخ ابن عاشور من مقالات وبحوث ورسائل، فهناك بعضُ المجلات - منها على سبيل الذكر لا الحصر مجلة "هدى الإِسلام" - حُليت صحائفُها بشيء من مبتكرات قلمه أعيانا البحثُ والسؤال عنها، ولم نقف لها على أثر، وهناك بحوثٌ دبجتها يراعُه وعلمنا بمكان وجودها، ولكن لم يمكن الحصولُ عليه (١). ولا نستبعد - بل نكاد نجزم - أن تكون هنالك مظانّ
(١) أخبرني الشيخ الدكتور عبد الستار أبو غدة - حفظه الله - قبل بضع سنوات بأنه يحتفظ بنسخة من بحث عن الزواج ومقاصده في الشريعة الإسلامية كان الإمام ابن عاشور قد كتبه استجابة لطلب من إدارة تحرير "الموسوعة الفقهية الكويتية" إبان طور تأسيسها، وقد وعدني بتصويره لي، لكن تعذر عليه جلبُه من مكتبته بحلب الشهباء (فرج الله عنها وعن أهل الشام).