لا نغفل عن حادث من قبيله حصل في أقصى الشرق في ذلك العصر. وهو حادثٌ قل مَنْ يعلم نبأه، وقد تعرض لمجمله بعضُ المؤرخين في ترجمة أكبر خان، وبسطه الأستاذ العلامة شكيب أرسلان في تعاليقه القيمة على كتاب "ماضي الإسلام"، نقله عما كتبه محررو "دائرة المعارف الإسلامية" وغيرُهم من علماء أوروبا عن تاريخ الهند، مستندين إلى ما كتبه المؤرخون الهنود. ذلك أن سلطان الهند محمد بن همايون الملقب "أكبر شاه"(١) كان قد صار إليه ملك دلهي وما إليها من بلاد الهند. ثم ضم إلى مملكته معظم ممالك الهند الإسلامية وغيرها، فكان في سنة ١٠٠٩ هـ قد هزم جميع معانديه، واستقر ملكه. فطرأ عليه في آخر سنوات سلطانه ذبذبةٌ وخذلان، فظهرت منه بوادرُ تدل على مروقه من الإسلام والعمل بما ينافي عقيدةَ المسلمين.
فابتدأ باتباع الإشراق الهندي، ثم توسع في متابعة المذاهب والأديان، وابتدأ بأن أبطل كونَ الإسلام هو الدين الرسمي للسلطنة. وأصدر سنة ١٠٠٢ هـ أمره بأن كلَّ مَنْ أُجبِر من الهنود على الإسلام في مدة السلاطين أسلافه يرجع إلى دين قومه، وأمر بترجمة كتب البراهمة من اللغة السنسكريتية الهندية إلى اللغة الفارسية. ثم استُؤْتِيَ إليه طائفة من الرهبان البرتغاليين الذين كانوا في الهند، فأرسلوا إليه بالإنجيل، فأمر بترجمته بالفارسية، وعهد إلى الرهبان بتعليم ابنه مراد.
وكان يذهب إلى الكنائس، وزعموا أنه كان يشاركهم في معظم الصلوات، فيجثو على ركبته. وقد وضع عقيدةً تدعو إلى التوحيد، وترخص للذين يحبون أن يجعلوا للإله رمزًا بأن يجعلوا الشمس رمزًا له تعالى. وحاول تركيبَ دين يجعله مزيجًا من الإسلام والبرهمية والنصرانية، ويسميه فصاحة الأديان! فكاد صنيعُه هذا أن
(١) هو محمد ابن السلطان همايون ابن السلطان بابر من أحفاد تيمورلنك، ولد سنة ٩٤٩ هـ، وولي السلطنة بعد موت أبيه سنة ٩٦٣ هـ. وكان ملكًا سامي الهمة شجاعًا، قهر أعداءه في معظم ممالك الهند، وعامل رعيته بالعدل، ورفع شأن العلماء. عاش ثلاثًا وستين سنة، وتوُفِّيَ سنة ١٠١٤ هـ. وهو واضعُ اللغة الهندية الجديدة الأوردو المركبة من الهندية القديمة ومن العربية والفارسية والتركية، تسهيلًا للتفاهم بين مختلف عناصر الهند. - المصنف.