للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاوية وأعوانه؛ لأن غاية أمرهم البغي والخروج عن طاعة الإمام وهو لا يوجب اللعن" (١)، يتعين حملُه على أنه قصد الردَّ على الشيعة الذين يجوِّزون ويأتون ذلك البذاء الشنيع. فأراد إلجاءهم إلى الاعتراف بانتفاء إجازة ذلك من سلف الأمة المقتدى بهم، إذ لا يستطيع المخالف إثبات هذه الإجازة المنفية. وقرينةُ مراده أنه ذكر كلماته تلك بعد أن أورد الأحاديثَ النبوية الدالّة على وجوب توقير أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعد قوله: "وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات، فله محامل وتأويلات. فسبُّهم والطعنُ فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية، فكفر، وإلا بدعة وفسق" (٢).

ب - ويقول الأستاذ حاكيًا عن النسائي أنه قال: "أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتى يُفضّل؟ " (٣) وهذه الكلمة وإن كانت منقولةً في ابن خلكان، فأنا أحسبها تقولًا على النسائي أو سوءَ نقل لكلامه. وذلك الكلام وإن كان المقصود منه أن معاوية ليس أفضل من علي، وهذا معتقدُنا ومعتقد أهل السنة قاطبة، ولكن صيغته لا تخلو من عجرفة وجلافة؛ لأن كلمة "أما يرضى" فيها معنى الإنكار على عدم الرضا.

ولعل أصل عبارة النسائي إن كان لها أصل: "أما ترضون أن يخرج معاوية رأسًا برأس"، أي أن يكون من جملة أهل الفضل، أي في الصحبة؛ لأنها مقولة لمن يعتقدون أفضليةَ معاوية على عليّ رضي الله عنهما. فإن كلمة "أما يرضى" إنما تقال لمن يُظَنُّ به عدم الرضا، وليس لمعاوية - رضي الله عنه - ادعاء أنه أفضل من علي. والذي ينبغي


(١) التفتازاني، سعد الدين: كتاب شرح العلامة سعد الدين التفتازاني على العقائد النسفية لنجم الدين عمر النسفي ويليه حواشي الخيالي وعبد الحكيم السيالكوتي والعصام (القاهرة: محمود أفندي شاكر الكتبي، ط ١، ١٣٣١/ ١٩١٣)، ص ٤٩٠.
(٢) المصدر نفسه، ص ٤٩٠.
(٣) "روى عبد الله بن مَندة، عن حمزة العَقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسُئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتى يُفضّل؟ " الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج ١٤، ص ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>