للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنذر، خاصًّا به، وكان من ندمائه وأهل أُنسه، فرأى زوجتَه المتجرِّدةَ يومًا وغشيها فجأةً فسقط نصيفُها واستترت بيدها وذراعها، فقال قصيدتَه التي أولها: "أمن آل مَيَّة رائحٌ أو مغتد" (١)، وصف فيها تلك الحالة، ووصف محاسنَ المتجردة، فأنشدها النابغةُ مرةَ بن سعد القريعي، فأنشدها مُرَّةُ النعمانَ فامتلأ غضبًا، وأوعد النابغةَ وتهدده. وأنذره عصامُ بن شهبر الجرمي - صاحب النعمان - بوعيد النعمان، فهرب النابغة، فأتى بلادَ قومه، ثم شخص إلى ملوك غسان بالشام.

وقيل: إن مُرة القُريعي وعبد القيس بن خفاف التميمي عملَا هجاءً في النعمان على لسان النابغة، وأنشداه النعمانَ لغيظٍ كان في نفس مُرة على النابغة (في قصة سيفٍ أغرى النعمانَ بأخذه من مرة القريعي). وقيل: كان سببُ غضب النعمان على النابغة أنه كان والمنخل ابن عبيد اليشكري جالسين عند النعمان، وكان المنخِّلُ يُرمَى بالمتجردة زوجة النعمان. فلما قال النابغةُ تلك القصيدةَ في المتجردة، ووصف محاسنَها وبطنها، وروادفَها وغير ذلك، لحقتْ المنخِّلَ غيرة، فقال للنعمان: "ما يستطيع أن يقول هذا الشعرَ إلا مَنْ جربه، فوقر ذلك في نفس النعمان، وبلغ النابغةَ [فخافه] فهرب". (٢)

ويظهرُ أن النابغةَ عاد إلى الاتصال بالنعمان بعد هربه هذا، لما رواه أبو الفرج عن أبي بكر الهذلي عن حسان بن ثابت أن النابغة جاء مع فزاريَّيْن بينهما وبين النعمان خاصة، وقد استجار النابغة بهما. وهذان الفزاريان هما خارجة بن سنان ومنظور بن زياد، كما في "معاهد التنصيص" (٣). فضرب النعمانُ لهما قبة من أدم ولم يشعره بأن النابغة معهما، وأنه خرج فعارضه الفزاريان والنابغة بينهما قد خضب لحيته بحناء،


(١) الأغاني ص ١٦٤ جزء ٩. - المصنف.
(٢) الأغاني ص ١٥٦ - ١٦٦ جزء ٩. - المصنف.
(٣) العباسي: معاهد التنصيص، ج ١، ص ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>