على عقولهم الأوهامُ والغرور، واحتارت العقولُ باضطراب الفتن التي أعمى الأمةَ عَجَاجُها وغمرهم عجَّاجُها. (١)
فأما الشرقُ الإسلامي فقد كان معظمُه يومئذ للدولتين العثمانية والفارسية، فبلاد الدولة العثمانية (وهي بحق يومئذ سيدة الممالك الإسلامية) قد صارت بؤرة فتن بجنود الانكشارية، وآلت كمثل الكرة تتلقفها أيدي زعماء الجنود يترامون بها على حسب أهوائهم. ابتدأت ثورة هؤلاء الجنود على السلطان مصطفى خان الأول سنة ١٠٢٧ هـ، فلا نجد مَنْ سلم بعده من سلاطين آل عثمان من ثورة آلت إلى قتل أو خلع، فصارت الدولةُ مهزلةً في أيدي شياطين الفتنة ودعاة الضلالة المشتهرين بتطلب الرزق من وجوه الغدر والحرابة.
وكانت المملكةُ الفارسية في ذلك القرن منتزى أمراء بيت الملك الصفوي والأزابكة رؤساء الجنود بعد وفاة الشاه طَهْماسَب بن الشاه إسماعيل، واختلاف أولاده الكثيرين في ابتزاز أمر المملكة، حتى انبرى لجمع الكلمة الشاهُ عباس بن طهماسب. ولكنه لمَّا جمع الكلمة في بلاده، حدثت بينه وبين السلطان مراد الرابع العثماني حروبٌ من أثناء عام ١٠٣٢ هـ، تلك الحروب التي يظهر أن سببها إحنٌ ودخائلُ قلبية كانت قد نبتت في قلوب الفرس أتباع المذهب الشيعي، إذ كانت تضيق صدورُهم أيام تفوق الدولة العثمانية عليهم من جراء ما كانوا يلقون منها من الغضاضة والاضطهاد في المعاملة يسبب اختلاف النزعتين. فلما تنسَّمُوا نسيمَ القوة، نشطت نفوسُهم، فأثمرت تلك الإحنُ طلبَ الانتصاف لنصرة مذهبهم على مذهب سكان البلاد العثمانية من الأشاعرة والماتريدية، فأخذت الفتنُ تظهر في بغداد التي هي برزخ بين المملكتين، وملتقى أتباع البلادين، حتى ملأت القلوبَ إحنًا، والعصورَ بعدها فتنًا.
(١) العَجَاج هو الغبار، والعجَّاج هي الريح الشديدة.