للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للنعمان، وفيها كان يكون، وإليها كانت تنتهي غنائمُه، وكان عليها صليب؛ لأنه كان نصرانيًّا". فتعين أن ضمير "لأنه" عائدٌ إلى النعمان بن الحارث، وقد صرح عاصم بن أيوب البطليوسي في شرحه لهذا البيت إذ قال: "والصليبُ صليب النصارى، وكان النعمان نصرانيا". (١)

وأقول: إن النصرانيةَ ما دخلت بلادَ العرب إلا مُبَقَّعَةً في أفراد من قبائل، وغلبت في بعض قبائل مثل تغلب وغسان وكلب. وليست قبيلةُ النابغة من القبائل التي تفشت فيها النصرانية، ولا كان النابغةُ معدودًا فيمن تنصر بمفرده مثل ورقة بن نوفل. وكانت ديارُ ذبيان تحت حكم ملوك الحيرة، وهم أتباعٌ لملوك فارس، ودينُهم الشرك أو المجوسية دون النصرانية. وليس في شعر النابغة ما يُستروَح منه أنه كان نصرانيًّا، بل بعكس ذلك فيه دلائلُ على أنه كان على دين الجاهلية كقوله في القسم:

فَلَا لَعَمْرُ الَّذِي يَمَّمْتُ كَعْبَتَهُ ... وَمَا هُرِيقَ عَلَى الأَنْصَابِ مِنْ جَسَدِ (٢)

وقوله:

فَلَا عَمْرُ الَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ ... وَمَا حَجَّ الْحَجِيجُ إِلَى إِلَالِ (٣)

إلال: اسم الموقف من عرفة.

وقوله في الدعاء:

حَيَّاكِ وُدٌّ فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لَنَا ... لَهْوُ النِّسَاءِ وَإِنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا

مُشَمِّرِينَ عَلَى خُوصٍ مُزَمَّمَةٍ ... نَرْجُو الإِلَهَ وَنَرْجُو الْبِرَّ وَالطُّعَمَا


(١) ص ١١ بالمطبعة الوهبية سنة ١٢٩٣ هـ. - المصنف.
(٢) ديوان النابغة الذبياني، ص ٨٥. وفيه "مسَّحْتُ" عوض "يَمَّمْتُ".
(٣) المصدر نفسه، ص ٢٠٥. وفيه "وما دفع، بدل "حج".

<<  <  ج: ص:  >  >>