للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنَّ أَهَازِيجَ الذُّبَابِ أَسَاقِفٌ ... لَهَا مِنْ أَزَاهِيرِ الرِّيَاضِ مَحَارِيبُ

وأخذه ابن عبدون من قول ابن الرومي يصف روضًا:

وَغَرَّدَ رِبْعِيُّ الذُّبَابِ خِلَالَهُ ... كَمَا حَثْحَثَ النَّشْوَانُ صَنْجًا مُشَرَّعَا

وَكَانَتْ أَهَازِيجُ الذُّبَابِ هُنَاكُمُ ... عَلَى شَدَوَاتِ الطَّيْرِ ضَرْبًا مُوَقَّعَا

وإنما اخترعه أولًا عنترة بقوله:

وَخَلَا الذُّبَابُ بِهَا يُغَنِّي وَحْدَهُ ... هَزِجًا كَفِعْلِ الشَّارِبِ المُتَرَنِّمِ

غَرِدًا يَحُكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ ... فِعْلَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأَجْذَمِ

وهذا من التشبيه الذي ما له شبيه، ولم يجسر عليه أحد، غير أن ذا الرمة نقل معنى الصفة إلى الجندب فقال:

كَأَنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلَا مُقْطِفٍ عَجِلٍ ... إِذَا تجَاذَبَ مِنْ بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ

والمقطف راكب الدابة القطوف، فنقل صفة يدي الذباب إلى رِجل الجندب، فأحسن الأخذ، وكأنه لم يعرض لعنترة في معناه.

وقال السلامي في صفة زنبور:

إِذَا حَكَّ أَعْلَى رَأْسِهِ فكَأَنَّمَا ... بِسَالِفَتَيْهِ مِنْ يَدَيْهِ جَوَامِعُ

فباعَدَ عنترةَ في الصفة وإن قاربه في الموصوف، وتعلق في اللفظ بصريع الغواني إذ يقول في النساء:

فَغَطَّت بِأَيْدِيهَا ثِمَارَ نُحُورِهَا ... كَأَيْدِي الأُسَارَى أَثْقَلَتْهَا الْجَوَامِعُ

وقد قال بعضُ أهل أفقنا، وهو يوسف بن هارون الرمادي (١):


(١) يوسف بن هارون الرمادي الكندي أبو عمرو، من أهل قرية رمادة بفتح الراء وتخفيف الميم. ترجمه في "المغرب في حلى المغرب (صفحة ٣٩٢ جزء ١، طبع دار المعارف) وقال: هو من مداح المنصور بن أبي عامر. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>