ضربانه فمسَّ بيد التغيير حظًّا عظيمًا من صروحه وآبانه. فسبحان الذي حول الأحوال، وقسم الحظوظَ بين البلاد وبين الأجيال، وتلك سنة الله في زعامة الحضارة أن لا تكون دُولة، وفي نماء العلم أن يكون حيث تستقرُّ الدولة.
ومع ذلك فالفضل للمتقدم، وسابقةُ المجد تعود على أهله وتتمم، فلا ينبغي أن تفتر الهمم إذا صارَ الأصل فرعًا وعاد ذلك المربع مرعى، فالحمد لله الذي حفظ لهذه المدينة المباركة من بهجتها الماضية رُواءً وخلد فيها من نور الدين والعلم سناء، فلم يزل هذا المعهد العظيم ركنًا مقصودًا وحوضًا للمستقين سائغًا مورودَا. فأسأل الله أن يمنحنا في موقفنا نحو هذا الهيكل المبارك التوفيقَ لما يرضيه من بعث أنوار العلوم الزكية، وأن يرزقنا من نجاح العمل كفاءَ خلوص النية، ويسعدنا بالاقتداء برجاله الأعلام الذين صابروا ورابطوا في خدمة الإسلام.
فالآن لما وقع الالتفاتُ إلى تحسين حالة المدرسين تحسينًا يعوض انصراف هممهم إلى العناية بتعمير هذا المعهد والنهوض بما فيه من دروس علوم الدين وعلوم اللغة التي بها نبلغ مرتقى كمالنا في الجامعة الإسلامية والعلوم التي بها النجاح تبوئ المكان الأسمى من الحياة الاجتماعية، رأيت حقًّا أن أقوم بزيارة هذا المعهد الجليل للنظر في أحوال التعليم والأساتذة والمتعلمين، عسى أن نبلغ به إلى المكان الأسمى الذي هو به حقيق، وذلك بتثقيف أذهان تلامذته الوقادة بالعلم الراسخ والفهم القويم.
وإن قوام ذلك الدأب على تذكير العالمين وإرشاد المتعلمين، ولا جرم أنه لا يحصل توسيع دائرة ذلك إلا في ضمن تنشيط الفروع الزيتونة الموجودة (وهذا في مقدمتها)، وبالإكثار من فتح الفروع حيث لا توجد، وبإقامة نظمها على قاعدة الاتصال المحكم العرى بمشيخة المركز الزيتوني بطريقة تكفل تمثيل المشيخة بالفروع، وبأن تجرى بها البرامجُ والمناهج المسلوكة بالمعهد الزيتوني سواء، وبذل العناية بالمتعلمين وتوفير راحتهم في سبيل تحصيل الشهادات، مع ما يقتضيه ذلك