للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استتب له النصر في معظم وقائعه، دبر مع وزيره كوبرلي في استثمار تلك الفرصة لفائدة الأمة، فعقد صلحًا مع مملكة النمسا التي لم تزل شديدةَ الصراع مع جيوش العثمانيين، وتم الصلحُ في رجب سنة ١١١٠ هـ صلحًا اقتضى إرجاعَ بلاد المجر إلى النمسا، وإرجاعَ بعض مراسي البحر الأسود إلى الروسيا.


= الأوسوم (Osum) وذات المباني الجميلة والمشاهد الرائعة. وهو ينسب إلى قرية كوبرو (Kopru) بوسط الأناضول التي بدأ منها مسيرته في الصعود في أجهزة النظام الإداري والسياسي للدولة العثمانية، ولا يكاد يُعرف عن أسرته لشيء ذو بال سوى أن والده كان نصرانيا. بدأ مسيرته سنة ١٦٢٣ عاملًا في شؤون الطبخ والطعام بقصر السلطان، ليصبح بعدها موظفًا بالخزانة السلطانية. استطاع محمد كوبريللي بفضل مثابرته ومقدرته العالية على التخطيط والمناورة أن يرتقي في مدارج السلطة السياسية والعسكرية حتى استطاع كسب ثقة والدة السلطان محمد الرابع التي كانت صاحبة السلطة الحقيقة في بداية ولاية ابنها، فجرى تعيينه وزيرًا بدون وزارة. وعندما كانت السلطنة العثمانية تمر بواحدة من أشد أزماتها في منتصف العقد السادس من القرن السابع عشر، استطاع كوبريللي أن يبرز بوصفه رجل الساعة، حيث سطع نجمه بوصفه شخصًا نزيهًا ذا مهارات إدارية متميزة، فاقتنعت والدة السلطان المذكور بضرورة تعيينه في منصب الوزير الأكبر أو الصدر الأعظم. قبل كوبريللي هذا التعيين على كبر سنه التي كانت تقارب الثمانين، مشترطًا على السلطان أن يطلق يده في تعيين التعامل مع موظفي الدولة تعيينًا ورفتًا وأن لا يستمع إلى وشايات منافسيه وخصومه، كما اشترط عليه عدم السماح للجيش بالتدخل في تصرفاته وسياساته، فكان له ما شرط. وبمجرد تولي كوبريللي هذا النصب سنة ١٦٥٦ سعى إلى استئناف الإصلاحات التي كانت بدئت في عهد السلطان مراد الرابع (١٠٣٢/ ١٦٢٣ - ١٠٤٩/ ١٦٤٠)، فحارب الفساد المستشري في أجهزة الدولة وأصلح نظام الإدارة فيها بحيث صار يعمل بصورة أكثر فعالية، وأصلح الميزانية بأن ألغى كل المصاريف التي لا داعي لها، وحول الممتلكات المصادرة ليصب ريعها مباشرة في خزينة الدولة، كما عمل على إخماد فتن الثورات الداخلية في بعض الولايات العثمانية. وعلى الجبهة الخارجية سعى كوبريللي إلى استعادة هيبة الدولة العثمانية في وجه التهديدات العسكرية ورفع الحصار الذي كان مضروبًا على مضيق الدردانيل من قبل قوات البندقية ونجح في فتح كرواتيا، إلخ. وفي خلال ذلك استطاع أو يوسع دائرة العملية الإصلاحية لأجهزة الدولة ونظمها لكي لا تقتصر على عاصمة السلطنة. توفي محمد باشا كوبريللي سنة ١٦٦١. وبذلك أثل هذا الرجل لعقبه مجدًا ونفوذًا متصلين حيث ظلت الصدارة العظمى تكاد لا تخرج من أسرتهم زمنًا طويلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>