وأرى لزامًا عليَّ أن أبذل النصيحة لهذا المعهد بما فيه استبقاءُ سمعته الطيّبة، بحيث يكون أهلًا بمدارسة شتى العلوم، وبحيث يكون طالبه وخريجه مثالًا لحسن الإقبال على العلم، وللتخلق بمكارم الأخلاق الإسلامية، وللخبرة بما تدعو إليه المدنية الحقة، ثم مثالًا للثقافة الكاملة ولحسن القيام بما يناط به من العمل لخدمة أمته ودينه، يماثل كوكبًا دريًّا يوقد من شجرة مباركة زيتونة.
وإن ما بذلناه من الجهود في بحر هذا العام للنهوض بالتعليم ولتوفير أسباب راحة الأساتذة والمتعلمين مما أشار إليه جهابذةُ الخطباء والشعراء لا نعده إلا قليلًا من كثير مما عقدنا عليه النية، مع الاستعانة بالله في وضعه في البرامج الإصلاحية. ولكن حاجة التطور والنماء إلى الوقت الكافي سُنة إلهية، والتفكير في تقصير الأوقات وانتهاز الفرص من جلة الهمم العلية.
فلا أسألكم إلا التكاتفَ والتناصر على أن ننهض بهذا العبء، كل بما في وسعه من الاستقامة في الخويصة، ومن النصيحة حيثما وجد إليها سبيلًا، ومن إبلاغ مبادئنا إلى مَنْ تربطهم به أواصر الصحبة وتشملهم نوادي المراجعة والمطالعة. ولا يحقرن أحدٌ ما يدعو إليه من النصيحة؛ لأن الكلمة الحسنة لتبلغ مبالغَ لا يحددها الحسبان، ورب مبلَّغ أرجى من داع.
فبذلك نرجو الله أن يحقق ما نصبو إليه من الغايات السامية لننعم بمرأى آثار جهودنا زاكية نامية، في عصر ملكنا الجليل (١) الذي هو عنوان مجدنا الأثيل، والذي لم يدخر عن مقاصد النهوض العلمي تأييده في كثير ولا قليل، أدام الله عرشه رفيع العماد. وظله الوارف مبسوطًا على البلاد، وإنا لنا كل نفيس وثمين مما تتوق إليه نفوس العاملين، بعناية رب العالمين.
(١) هو المنصف باي (١٨٨١ - ١٩٤٨) الذي تولى عرش الملك الحسيني في تونس في يونيو ١٩٤٣، وتوفي بالمنفى في فرنسا متهما من قبلها بالانحياز إلى الألمان في الحرب العالمية الثانية.