للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ في موضع آخر من الإشارات (١): "وكان لهم رجلٌ يعرف بفرفوريوس، (٢) عمل في العقل والمعقولات كتابًا بنى المشّاؤون عليه. وهو حَشَف كله، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم لا يفهمونه، ولا فرفوريوس نفسه". (٣)

ثم ارتقى الشيخُ فاقتبس من حكمة الإشراق أهمَّ مسائل الإلهيات، ورجَّحها في ذلك على حكمة المشائين، ولقّب حكمةَ الإشراق بالحكمة المتعالية. (٤) وضمّ إليها ما هو من فيوضات عقله ومنتجات أقيسته وآثار حَدْسه وكشفه، فاجتمعت له من مدرسة الحكمتين طريقةٌ جديدة في الحكمة خاصة به، وشارف بذلك أن تكون له حكمة جديدة.

وقد نحا في صنعه هذا منحى حكماء الإسلام في الطب والكيمياء والفلك والجغرافيا، وهي الطريقةُ التي تُدعى طريقةَ التصحيح والتفريع، وأحسب أن الشيخ أولُ من نَحَا هذا المنحى في الفلسفة. بيد أن الطريقة التي توخّاها إنما يظهر مفعولُها نافعًا في خصوص علم ما وراء الطبيعة، وهو الكلي والإلهي؛ إذ قد يُجدي الذوقُ والإشراقُ في هذا العلم، ولا يظهر لها نفعٌ في العلوم التي أدلتها البراهين. ومَنْ شاء أن يظهر له هذا جليًّا فليطلبه من مباحث الأجرام السماوية وحركاتها من "كتاب الإشارات". (٥)


(١) صفحة ٣٢٤. - المصنّف.
(٢) فورفوريس [Porphyry] فيلسوف من مدينة صور من بلاد سوريا [في لبنان الآن]، ولد سنة ٢٣٢ م وتوُفِّيَ في ٣٠٤ بمدينة رومية. وكان من أتباع الحكيم أفلوطين أحد أساتذة الفلسفة الإسكندرانية التي نشأت عن فلسفة أفلاطون وفلسفة أرسططاليس. ألف كتاب "إيساغوجي" [في المنطق]، وله مقالاتٌ في الرد على النصارى. - المصنف.
(٣) الإشارات والتنبيهات، نشرة دنيا، القسم الثالث، ص ٢٧١.
(٤) صفحة ٣٩٥ وصفحة ٣٩ من الإشارات بشرح الطوسي، طبع الآستانة. - المصنف. الإشارات والتنبيهات، نشرة دنيا، القسم الرابع، ص ١٢٢. هذا وقد اتخذ مصطلح "الحكمة المتعالية" أبعادًا جديدة مع صدر الدين الشيرازي، وخاصة في كتابه "الأسفار العقلية الأربعة"، حيث حاول من خلالها التأليف بين الفلسفة المشائية الاستدلالية والمدرسة الإشراقية الذوقية ومقررات الوحي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
(٥) المرجع نفسه، ص ١٨٥ - ٢١٥ و ٢٣١ - ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>