للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البشر، ودام ذلك إلى زمن موسى. (١)

وفي الحقيقة ما كان الطوفان إلا حائلًا للبشر دون العيش المديد، ولكنه ترك بقية تزيد على المائة والعشرين، وإن كانت هي الغاية المقصودة غبًّا (٢) على ما تذكر التوراة. ولكن الوصول إلى الغايات في ناموس الكون الذي سَنَّه الله تعالى، لا يكون إلَّا على درج التدلي هبوطًا والارتقاء صعودًا: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} [الأحزاب: ٦٢].

ولقد أفضى ضعفُ الأرض بالإنسان إلى أن صيَّر عيشَه إلى الأجل الموهوب له بعد النجاة من أهوال الطوفان شيئًا نادرًا هو المعدود من فلتات الطبيعة، وما عيش مائة وعشرين سنة اليوم ومائة وثلاثين إلَّا شيءٌ واحدٌ في الوقوع من الندرة والتعجب الموقع المتطرف. (٣) وقد يعد كثيرٌ من العلماء العمر الطبيعي اليوم مائة سنة فقط، وهو المعضود بالتجربة التي هي آخر ملجأ نريد أن نثوب إليه في تحقيق العمر الطبيعي في كل عصر. قد رأيت أن المائة والعشرين من السنين ما كانت إلا موهبة طبيعية باعتبار زمن معلوم ومبتدأ طور أخير من أطوار الأرض، هو خاتمة الأطوار المزعجة، والانتقالات المهولة.

وأما انتقالها بعد ذلك في مراتب الضعف ومتابعة كل من عليها لها في هذا الانتقال فشيء تدريجي خفي، كما ينتقل الرجل كل يوم إلى وهدة من وهدات السقوط بعد اكتهال، أو انتقال اليافع إلى ربوة من النهوض قبل الفتوة. واستقراء أحوال عيش الأمم في كل عصر هو معدل العمر الطبيعي فيه.


(١) انظر في ذلك الكتب المقدسة: كتب العهد العتيق، سفر التكوين، الفصل (الإصحاح) السادس، ص ٨ والفصلان: ١١ و ١٢، ص ١١ - ١٦ والفصل: ٣٥، ص ٥٢، وسفر الخروج، الفصل: ٦، ص ٨٤.
(٢) كذا في الأصل، ولم يتبين وجه الدلالة في هذه الكلمة، ويبدو أنها زائدة.
(٣) كذا في الأصل، ولم يتبين لي الوجه في تتالي هذه الكلمات الثلاث (والتعجب الموقع المتطرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>