ودرج على ذلك معظمُ أئمة العصر الذي بعد عصر التابعين، مثل مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وسفيان بن عيينة، ومَنْ تبع طريقتَهم من أصحابهم، والطبقةُ التي تليهم مثل الشافعي وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ونعيم بن حماد شيخ البخاري وأحمد بن حنبل والبخاري. وقد سُئل مالك رحمه الله عن هذا الآية فقال للسائل: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، (وفي رواية: والكيف غير معقول)، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك
= "والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة، وعلى هذه الطريقة يدل مذهب الشافعي - رضي الله عنه -، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي، ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي. وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلًا سماه استواءً، كما فعل في غيره فعلًا سماه رزقًا ونعمة أو غيرهما من أفعاله. ثم لم يكيف الاستواء، إلا أنه جعله من صفات الفعل لقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ". البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي: كتاب الأسماء والصفات، قدم له وعلق عليه محمد زاهد الكوثري (القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، بدون تاريخ)، ص ٣٧٨ و ٣٨٠. وقال كذلك: "ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله [يعني ما جاء من آيات وأحاديث في الصفات]، ثم إنهم على قسمين: منهم من قبله وآمن به ولم يؤوله، ووكل علمه إلى الله الكيفية والتشبيه عنه. ومنهم من قبله وآمن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة، ولا يناقض التوحيد. وقد ذكرنا هاتين الطريقتين في كتاب الأسماء والصفات في المسائل التي تكلموا فيها من هذا الباب". البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (بيروت: دار ابن حزم، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ص ٥٥ - ٥٦. وقال ابن تيمية في هذا الصدد: "ولهذا كان مذهبُ سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١]؛ فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ردٌّ على أهل التمثيل، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ردٌّ على أهل التعطيل". ابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم: الرسالة الصفدية: قاعدة في تحقيق الرسالة وإبطال قول أهل الزيغ والضلالة، تحقيق أبي عبد الله سيد عباس الحليمي وأبي معاذ أيمن عارف الدمشقي (بيروت: دار ابن حزم/ الرياض: مكتبة أضواء السلف، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ص ١٣٣.