للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي حمله على غير ظاهره، جمعًا بين الأدلة مما ورد عن الشارع وما استقرئ من قواعد الشريعة.

قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي: هو محمولٌ على خمسة وجوه:

الأول: أن يعدم ذلك العلم إن لم يظهره (أي المسؤول). وذلك بأن يكون منفردًا بعلمه بين تلك الجهة، بحيث يعتذر أن يجيب عنه غيره إلا في أقطار بعيدة. الثاني: أن يقع السائل في أُحموقة (١) إن لم يخبره. الثالث: أن تفوت به منفعة، أي مصلحة دينية. وهذه الوجوهُ الثلاثة في معنى الشروط لحرمة الكتمان، وكلُّها مبنيةٌ على أن المراد باللعن ظاهره معنى وعمومًا، فإطلاقُ اسم المحامل عليها في كلام أبي بكر ابن العربي تسامح. الرابع: امتثال وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي سعيد الخدري (٢) في قوله: "إن الناس لكم تبع، وإن رجالًا يأتونكم يتفقهون - أي يتعلمون - فإذا جاؤوكم فاستَوْصُوا بهم خيرًا"، وذلك هو التعليم، (٣) يعني تعليمَ الذين جاؤوا


(١) الأُحْمُوقة: الخصلة أو الفعلة من الحمق. وفي الحديث عن يزيد بن هرمز أن نجدة بن عامر الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله "عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان؟ وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى، من هم؟ فقال ليزيد: اكتب إليه. فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه. اكتب: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء، إلا أن يحذيا. وكتبت تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم، وأنت فلا تقتلهم. إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله. وكتبت تسألني عن اليتيم، متى ينقطع عنه اسم اليتم؟ وإنه لا ينقطع عنه اسم اليتم حتى يبلغ ويؤنس منه رشد. وكتبت تسألني عن ذوي القربى، من هم؟ وإنا زعمنا أنَّا هم، فأبَى ذلك علينا قومنا". صحيح مسلم، "كتاب الجهاد والسير"، الحديث ١٨١٢/ ١٣٩، ص ٧٢٥ - ٧٢٦.
(٢) مما رواه الترمذي وابن ماجه. - المصنف. ولفظ الحديث: "إن الناس لكم تبع، وإن رجالًا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أَتَوْكُمْ فاستوصَوْا بهم خيرا". سنن الترمذي، "أبواب العلم"، الحديث ٢٦٥٠، ص ٦٢٤ - ٦٢٥؛ سنن ابن ماجه، "كتاب السنة - المقدمة"، الحديث ٢٤٩، ص ٣٨ (واللفظ للترمذي).
(٣) أورد المصنف كلام ابن العربي مع زيادة شرح وتفصيل. عارضة الأحوذي، ج ٥/ ١٠، ص ٨٥ - ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>