إياه، فأصبحوا يمنون عليه، ويترقبون منه أن يطيعَهم في قضاء ما يشتهون مِمَّا يظنونه مصلحة، والغرض أنهم لا يفقهون.
فإذا كان ناصحًا أمينًا لم يستفزه ذلك، إذا علم أن فيه لَهم سيِّئ العواقب، ولم يغترَّ منهم بتلك الظواهر الكواذب، ولم يرقه السيرُ في عراض المراكب. وقد حكى الله من مواقف الرسل والناصحين من ذلك كثيرًا، فحكى عن موسى - عليه السلام -: {قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)} [الأعراف: ١٣٨, ١٣٩].
فأما إذا فتنته تلك الظواهرُ الخلابة فانتفخ عجبًا، وخشيَ انْحرافًا منهم وسلبًا؛ خَصَّ في إدراك الحقيقة، وخادعهم وواربَهم، وأضاع مصالِحَهم، وغلَب سفهُهم على رُشده، قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: ١٥٢]، وقال:{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}[آل عمران: ١٤٦]. وقد سقط في هذه الهواة كثير من زعماء الأمم.
وسدَّ ذرائع قتل الحرية بالقوة المالية؛ إذ قد يعرض الاستعباد من الحاجة إلى المال، وفي الحديث:"تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ لم يرضَ". (١) فلذا أبطل الإسلامُ الربا؛ لأنه طريقٌ واضح لاستعباد المضطرين، وأبطل عقودَ الإكراه، وأبطل معظمَ الشروط التي تُشترط على العامل في القراض والإجارة والمغارسة والمساقاة والمزارعة. وقد أمكن أن تُستخرَجَ قاعدةٌ شرعية لهذه المسائل الممنوعة، وهي:"منع أن يَفْترص الغنِيُّ احتياجَ الفقير إليه، فيعنته لأجل ذلك".
(١) صحيح البخاري، "كتاب الجهاد والسير"، الحديث ٢٨٨٦، ص ٤٧٧؛ "كتاب الرقاق"، الحديث ٦٤٣٥، ص ١١١٧.