للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، (١) وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤]. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رأى منكم منكرًا فلْيُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، [وذلك أضعفُ الإيمان] ". (٢)

فأما البدعة، فهي أشهرُ الألفاظ المترددة بين الناس في موضوعنا. وأصلُها في اللغة الأمر الجديد الذي لم يسبق بنظير، قال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٩]. فالبدعة في الإسلام تكون إحداثَ شيء في أحوال المسلمين ليس له مساس بأمور الدين، وتكون إحداث شيء يمس أمور الدين. وقد راعى بعضُ علمائنا كلتا الحالتين، وهم الجمهور. وراعى بعضُهم الحالةَ الثانية، ومنهم النووي وأبو إسحاق الشاطبي. وإيفاءً بتقصِّي جذور المسألة، ينبغي شرحُ المعنيين ليكون البحث مستوفًى، وتكون (٣) الحجة لنفوس المترددين أشفى.

فعلى رأي الفريق الأول عرف عز الدين ابن عبد السلام في كتاب "القواعد" البدعة فقال: "البدعة فعلُ ما لَم يُعْهدْ في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (٤) وعلى رأي الفريق


= العلم"، الحديث ٢٦٧٦، ص ٦٢٩ - ٦٣٠، سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب السنة"، الحديث ٤٦٠٧، ص ٧٢٦ - ٧٢٧. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، واللفظ له.
(١) صحيح البخاري، "كتاب الصلح"، الحديث ٢٦٩٧، ص ٤٤٠.
(٢) صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ٧٨، ص ٤٢؛ سنن ابن ماجه، "أبواب الفتن"، الحديث ٤٠١٣، ص ٥٧٨. واللفظ لمسلم.
(٣) لعل الأولى أن يقال: "تقوم الحجة"، والله أعلم.
(٤) وبناءً على التعريف المذكور بنى العز تقريره في كون البدعة تعتريها الأحكام الخمسة فقال: "وهي منقسمة إلى بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة. والطريق في معرفة ذلك أن تُعرَضَ البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>