للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرباض بن سارية: "كلُّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، (١) وكان مالك بن أنس - رضي الله عنه - كثيرًا ما ينشد:

وَخيرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كَانَ سُنَّةً ... وَشَرُّ الأُمُورِ المُحْدَثَاتُ البَدَائِعُ (٢)

فجمع البيتُ المحدثَ والبدعة بوجه الترادف، وقدم المحدثات.

وأما المنكر فهو الحرام، وهو ما ينكره الشرع ويأباه، وهو يخالف المحدث والبدعة، وبينه وبينهما نسبةٌ سنشير إليها.

هذه معاني هذه الألفاظ الثلاثة. فأما أحكامها، فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب "عارضة الأحوذي على سنن الترمذي" عند شرح حديث العرباض بن سارية ما نصُّه: "وليس المُحدَث والبدعة مذمومين للفظ محدث ولفظ بدعة، ولا لمعناهما، فقد قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢] "، أي قاله في مقام توبيخ الذين أتاهم الذكر المحدث حيث لم يعملوا به لقوله عقبه: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: ٢, ٣]، "وقال عمر (أي في شأن صلاة التراويح): "نِعْمَتِ البدعةُ هذه(٣) وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى ضلالة"، وأما ما كان مردودًا إلى قواعد الأصول ومبنيًّا عليها، فليس بدعةً ولا ضلالة، "وهو سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء" (٤).


(١) سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب السنة"، الحديث ٤٦٠٧، ص ٧٢٦ - ٧٢٧.
(٢) ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٦٩؛ الشاطبي: كتاب الاعتصام، ج ١، ص ٥٧.
(٣) الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب الصلاة في رمضان"، الحديث ٢٧٠، ج ١، ص ٤٧٦ - ٤٧٧؛ صحيح البخاري، "كتاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ"، الحديث ٢٠١٠، ص ٣٢٢. واللفظ لمالك، وسياق الكلام هو ما رآه عمر من جمع الناس على قارئ واحد في صلاة التراويح بدل أن يصلوا أوزاعًا متفرقين "يصلي الرجل لنفسه" كما وصفهم الراوي عبد الرحمن بن عبدٍ القاري.
(٤) ابن العربي: عارضة الأحوذي، ج ٥/ ١٠، ص ١٠٦ - ١٠٧. وقد ساق المصنف كلام ابن العربي بتصرف تقديمًا وتأخيرًا وتعبيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>