للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه كما أُطلق لفظُ المحدَث ولفظ البدعة في مقام الذم، فقد أُطلق لفظُ السنة كذلك في مقام الذم، ففي الحديث الصحيح: "من سن سنةً سيئة، فعليه وزرُها ووِزْرُ من عمل بها إلى يوم القيامة"، (١) وفي الصحيح أيضًا: "لا تُقتَلُ نفسٌ ظُلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها، ذلك لأنه أولُ مَنْ سنَّ القتل". (٢)

فتعين ردُّ هذه الألفاظ إلى معانيها المقصودة بقرائن سياق الكلام، وإرجاع الآثار الواردة فيها إلى أدلتها الشرعية.

فأما حديث: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد"، (٣) فقال الإمام المازري في كتاب "المعلم في شرح صحيح مسلم": "والمنهياتُ المحرمات كلُّها ليست من أمره - صلى الله عليه وسلم -، فيجب ردُّها". (٤) وقال الأبي في "إكمال الإكمال": "ما ليس من أمره هو ما لم يسنَّه ولم يشهد الشرعُ باعتباره، فيتناول المنهياتِ والبدعِ التي لم يشهد الشرعُ باعتبارها. وأما التي شهد الشرع باعتبار أصلها، فهي جائزة، وهي من أمره، كالبدع المستحسنة، كالاجتماع على القيام في رمضان، وكالتصبيح اليوم والتأهيب. (٥) فإن


(١) عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً فعُمل بها، كان له أجرُها ومثلُ أجرِ من عمل بها، لا ينقص من أجورِهم شيئًا، ومن سَنَّ سُنَّةً سيئةً فعُمِل بها، كان عليه وزرُها ووزرُ من عمل بها، لا ينقصُ مِن أوزارهم شيئًا". سنن ابن ماجه، "كتاب السنة - المقدمة"، الحديث ٢٠٣، ص ٣١؛ سنن الترمذي، "أبواب العلم"، الحديث ٢٦٧٥، ص ٦٢٩.
(٢) صحيح البخاري، "كتاب أحاديث الأنبياء"، الحديث ٣٣٣٥، ص ٥٥٤؛ صحيح مسلم، "كتاب الأقضية"، الحديث ١٦٧٧، ص ٦٢٢.
(٣) صحيح مسلم، "كتاب الأقضية"، الحديث ١٧١٨، ص ٦٨٢؛ صحيح البخاري، "كتاب الصلح"، الحديث ٢٦٩٧، ص ٤٤٠.
(٤) المازري: المعلم بفوائد مسلم، ج ٢، ص ٢٦٦.
(٥) ورد مصطلح التصبيح بمعنيين: أولهما التزام صبحة القبر، وهو تبكير أهل الميت وأقاربهم ومعارفهم إلى قبر الميت، ومن يتخلف عن ذلك غضبوا عليه كما لو أنه ترك واجبًا متعيِّنًا. ويستمر هذا التصبيح سبعة أيام، وكان قديمًا يُسمَّى المأتم. الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى: فتاوى الإمام الشاطبي، تحقيق محمد أبو الأجفان (الرياض: مكتبة العبيكان، ط ٤، ١٤٢١/ ٢٠٠١)، ص ٢٦٩ - ٢٧٠؛ ابن الحاج، أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي: =

<<  <  ج: ص:  >  >>