مُتَّبِعُها، ولذلك قال إخوةُ يوسف في مصر: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣)} [يوسف: ٧٣]، وأقر الله كلامهم فلم يعقبه بنقضه كما عقب كلام يوسف بقوله تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦].
وأما ما هو صغائرُ في تلك الشريعة، فلا يَمتنِع وقوعُها قبل النبوة. وأما بعد أن يصير نبيًّا، فهو محل البحث؛ إذ بعد نبوته يكون له شرعٌ إما سابقٌ أُمِر باتباعه مثل أنبياء بني إسرائيل - ولذلك لم يسكت يوسف لَمَّا قال إخوتُه في شأن أخيهم بنيامين:{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}؛ لأنهم اتهموه بما هو معصومٌ منه فقال لهم: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)} [يوسف: ٧٧]، فإجراءُ حاله على حسب ذلك الشرع. وإما أن يُوحى إليه بشرع يخصه مثل لقمان، أو يدعو إليه، فذلك النبي حينئذ رسول. وأيًّا ما كان فَلْيَجْرِ البحثُ في أفعاله على حسب ما أُمر باتباعه أو بالدعاء إليه.
واختلفوا في صدور بعض المعاصي منهم على التفصيل. والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافِي مقتضى المعجزة من حيث دلالتها على قول الله تعالى:"صدق عبدي فيما أخبر به عني"، لا عمدًا ولا سهوًا. وجوَّز القاضي أبو بكر الباقلاني وقوعَ ذلك سهوًا، ولم يرتضه الجمهور.
والمذهب عند جمهور الأشاعرة منعُ صدور الكبائر منهم بعد البعثة وقبلها، وأما الصغائر فلا تصدر منهم بعد البعثة عمدًا، ويجوز صدورُها منهم سهوًا لكن لا يصرون عليها ولا يقرون. (١)
(١) وقد لخص القاضي عياض المذاهب المختلفة في مسألة عصمة الأنبياء بكلام من المناسب سوقُه هنا، قال: "ثم اختُلِف في المعاصي، فلا خلافَ أن كل كبيرة من الذنوب لا تجوز عليهم. . . =